من القواعد الذهبية في التخطيط لأهداف الحياة وإدارة الأولويات الاعتناء بجوانب البناء والنماء وإعطاؤها الأولوية والأهمية، وعدم الالتفات كثيراً صوب المشكلات الطارئة. ولكن إذا بدا أنها ذات جذور غائرة، فإن تنظيف الجرح وتضميده يحول دون تفاقمه، فمن الحكمة أن نعتني بعلاج المشكلة منذ بداياتها، وبذل الأسباب في ذلك. وإذا كانت المشكلات تكشف لنا بعض جوانب الخلل، وتعيننا على الإصلاح، ولذا لا يسوغ لنا تجاهلها، ولا يبرر لنا أيضاً أن ننساق وراءها فاقدين توازننا، لأنها عدت بذلك موجهة لرؤانا وبوصلة لمسيرتنا. الأزمة ضاغطة بطبيعتها وملحة، وإلحاحها شديد على صاحبها، لذا فهي كثيراً ما تأخذ أكبر من حجمها، ومن صور ذلك: الانهماك الشديد بالتفكير بها، وإشغال الذهن بذلك، حتى لا يجد صاحبها مساحة للتفكير في مصالحه المهمة. الإفراط في التفكير في الأزمة يفقدنا السيطرة عليها، فتنوب هي في التحكم بنا، وقد تصطحب معها مشاعر دخيلة كاليأس والقلق والإحباط والهم، مجموع هذه المشاعر السلبية بدورها، قد تفضي بصاحبها إلى حالة متقدمة من الاكتئاب المرضي أو حتى التخبط العشوائي لأجل البحث عن مخرج في حين يتعذر عليه التفكير الهادئ الذي يقوده لإيجاد بديل للمشكلة العالقة. الأزمة قد تكون ذات سطوة يصعب التحرر منها؛ فقد تلقي بظلالها في صياغة قرارات مصيرية خاطئة حتى لو كانت عابرة: أسماء كانت زوجة لشاب، سيئ الخلق والعشرة، وبعد جهد طويل ظفرت منه بالطلاق، إلا أنها قررت بعد ذلك ألا تتزوج. وأحمد قرر ترك الدراسة الجامعية لتعرضه لإساءة وحرمان من أحد أساتذتها. مما يساعد على التحرر من أسر الأزمات إدراك جملة من الحقائق منها: أن الوعي بطبيعة الحياة الحبلى بالمتاعب والحافلة بالمكدرات يخفف عنا إلى حد كبير الإحساس بالوحدة في مواجهة مصاعب الحياة طالما أننا خلقنا كلنا لاجتياز الرحلة نفسها. زمن الأزمة والشدة لا يقاس بمدة الرخاء؛ فالأزمة مهما طال عمرها إلا أنها ستغدو يوماً كأحلام يقظة، ومادة شائقة تثرثر بها بفخر لأحفادك. إن تحجيم الأزمة، ومعالجتها منذ بداياتها، ولا بأس من التشاغل عنها أحياناً، مع استثمارها لمصلحتنا بملاحظة تبعاتها. أفضل المفاتيح السحرية لتفكيك حلقات المشكلات المتعاقبة. إذا كان دفع متاعب الحياة خارج سيطرة الإرادة البشرية إلا أنه يبقى التعامل معها في حدود الإمكانات الفردية. ومشكلات الحياة فضلاً عن كونها حتمية وعامة فهي لا تخرج عن حدود طاقة البشر وإمكاناتهم. وتبقى معرفة أن الفرق المذهل بين الناس ليس في نجاتهم من المتاعب، فالحزن والألم طرقا كل القلوب ولم يستثنيا منزلاً. وإنما يكمن الفرق الجوهري في كيفية إدارة الأزمات بنجاح واستثمارها لمصلحتهم؛ كما ورد في "لا يأتي النجاح في الحياة نتيجة المرور بمواقف جيدة، لكنه ينبع من الإدارة الجيدة للمواقف الصعبة. (15 قانوناً لا يقدر بثمن للنمو) لجون سي ماكسويل". والمتتبع للجانب المتألق في الأزمات يلحظ أنها جاءت كإرهاصات لأغلب الإنجازات العملاقة التي انطلقت بعد خوضها عملية تصعيد عسيرة. إذ إن القوة الغضبية الناشئة من تجربة انتهاك مريرة كافية لإشعال طاقة قد تحملك على تجسيد حلمك. ومن جانب آخر فإننا حينما نخوض غمار الملمات نتلقى دروساً هادئة على انفراد وبعيداً عن التشهير، حينما تكشف بأحداثها الستار عن خبايا دفينة في دواخلنا كنقاط ضعف لدينا لم نتفطن لها، على سبيل المثال إهمال العناية بصحتنا أو ثقتنا المفرطة في أناس غير أكفاء، وقد تبدي لنا الأزمات فشلنا في اختيار الشريك أو تسمح لنا بمحاسبة أنفسنا بسرية وكرامة جراء ضعف مستوانا العلمي والمهني وإدراكنا حاجتنا الماسة لمزيد من الفهم والتدريب. ريح المحن قد تحملنا من حُجرنا بعيداً عن لجج الحياة وصخبها وتلقي بنا بعنف إلى دواخل أعماقنا لنشهق حين نصطدم بالحقيقة المرة! ففي ذواتنا مساحات روحانية أجدبت، وأوراق خريف تبعثرت. وإذا بسحائب البشرى تهطل من جديد، ودمع العين يخضب الأرض، فتنتفض بالحياة، وأنات السحر تلتقي بأسماع ملأ السماء، بعد طول حنين . ننتبه حينها إلى أن هذه المحنة المعتمة هي منحة نورانية مشرقة وهي البعثة الحقيقية للروح بعد طول غفلة ورقاد.