تُعتبر أزمة منتصف العمر لدى الجنسين، من أخطر ما تمر به الاسرة في مسيرتها الطويلة التي قد تمتد لعقود من الزمن. وقد تتسبب هذه الازمة الخطيرة في الكثير من المشاكل والصعوبات والتداعيات، أهمها الانفصال بين الزوجين، أو ظهور العديد من المشاكل في الكثير من تفاصيل الحياة، هذا غير تبعات هذه الازمة على الاسرة والأولاد، إضافة إلى تأثيرها الكبير على الاداء والإنتاجية في العمل. ولكن في المقابل، قد تمر هذه الفترة العصيبة بهدوء وسلام، نتيجة للحكمة أو حُسن التصرف والتعامل من قبل الطرفين أو لظروف اجتماعية أو نفسية أخرى. ولكن، ما هي أزمة منتصف العمر التي يتعرض لها الرجال والنساء بشكل عام، والتي يُشخصها الباحثون والمتخصصون بأنها قد تكون مرضاً أو اضطرابا نفسيا كالقلق والاكتئاب، إضافة إلى بعض الاعراض النفسجسمية؟ أزمة منتصف العمر، حالة اضطراب تحدث بين الاربعين والخمسين من العمر، وقد تحدث قبل ذلك بقليل أو بعد ذلك بقليل. وهي أشبه بوقفة محاسبة جادة أو جرد حساب عسير يقوم بها الرجل أو المرأة لاستعراض صفحات الماضي الطويل بكل ما يعج به من انكسارات وخيبات وأزمات، دون التوقف قليلاً عند الجوانب المضيئة والايجابية التي قد تكشف عن الكثير من النجاح والتفوق والتميز، وتلك طبيعة بشرية تشترك فيها كل الشرائح والمستويات الإنسانية، ولكنها تبلغ ذروتها عند هذه الفئة العمرية التي تُعاني من أزمة منتصف العمر. وتستمر المكاشفة الشديدة لهذه الفئة، حيث تنتقل للحاضر بكل ما فيه من ضغوطات وصعوبات وتحديات، إلى أن تصل للمستقبل الذي تحمل له تصوراً مشوهاً وباهتاً، بل وكئيباً ومخيفاً. أزمة منتصف العمر، تجعل من هؤلاء المصابين بلعنته يتحسرون على الماضي ويخافون من الحاضر ولا يثقون بالمستقبل. أزمة منتصف العمر، ليست مجرد حالة عابرة تُعاني منها هذه الشريحة العمرية المهمة، بل هي مشكلة خطيرة قد تستقر طويلاً في مسيرة حياة كل منا، ونتائجها الوخيمة قد تتسبب في الكثير من المشاكل والأزمات. حينما يصل البعض منا إلى هذه المرحلة العمرية، فإنه يميل كثيراً للتأمل والحنين للماضي والوقوف كثيراً عند تفاصيل حياته، وحسب الطبيعة البشرية، فإن التذمر والتسخط والمقارنة وكل الاحداث والمواقف السلبية هي التي تكون أقرب للاستدعاء، خاصة لأولئك المارين بأزمة منتصف العمر، أما النجاحات والمكتسبات التي تحققت فإنها عادة لا تحضر في كشف الحساب هذا. إن شريط العمر الذي قارب على الانتهاء في نظر هؤلاء طبعاً لا يعرض إلا الصور والذكريات والمواقف الحزينة والكئيبة. وكل تلك السنين الطويلة من العمر لم تكن سوى كابوس ثقيل، بل هي أشبه بسراب، وقد ضاع العمر، كل العمر، في البحث عن احلام وأمنيات وطموحات لم تتحقق، وكل تلك التضحيات الكبرى التي قُدمت لم تُقدّر، فلا أحد يستحق التضحية، ولا أحد يستحق أن تُفني حياتك من اجله، حتى هذه الحياة لا قيمة لها، لأنها لا تُنصف. بهذه البكائية المشبعة بالحسرة واللوعة والأسى، يندب الكثير ممن يمرون بأزمة منتصف العمر حظهم العاثر، وكأن الحياة بالنسبة لهم قد توقفت عند هذا الفصل المعقد من حياتهم. ولكن ماذا عن الاسباب التي تؤدي لمشكلة منتصف العمر؟ الاسباب كثيرة جداً، ولكن أهمها الشعور بالتقدم بالعمر، وعدم الاهتمام من الاطراف المحيطة، وكذلك من الجمود العاطفي الذي يعاني منه الطرفان وسط الكثير من مصادر ووسائل الانفتاح والتحرر التي تنتشر فيها بكثافة العبارات العاطفية والأجواء الرومانسية، وأيضاً المراهقة المتأخرة التي قد تُصيب أحد الطرفين كردة فعل نتيجة "ضياع" الحياة التي استهلكتها الدراسة وتحقيق الذات والوظيفة والأعباء المنزلية ليبدأ التفكير بحياة ثانية أو مغامرة جديدة تُعيد بعضاً من الشباب المفقود في دوامة الحياة، كذلك اتساع الفجوة بين الطموحات والأمنيات وبين ما تحقق على أرض الواقع، وأيضاً الانخفاض الملحوظ بالنشاط والحيوية والجمال التي كان يتمتع بها الطرفان. وحينما نقترب كثيراً من أزمة منتصف العمر في المجتمع السعودي، فإننا أمام مشكلة غاية في الخطورة، خاصة وأن الاحصائيات تُشير إلى أن هناك أكثر من 30٪ من تعداد السكان هم من الفئة العمرية التي تمر بأزمة منتصف العمر. وهذه الشريحة المهمة هي التي تضطلع بالكثير من المهام والوظائف والأدوار، وقد تؤثر هذه الازمة في مستوى الانتاجية والمزاجية والكفاءة التي تتمتع بها هذه الشريحة المهمة. وتكمن الخطورة المضاعفة التي تتعرض لها هذه الشريحة في المجتمع السعودي عن بقية المجتمعات الأخرى، نتيجة الطبيعة المجتمعية المحافظة والجافة التي يتمتع بها المجتمع السعودي الذي يُعاني فقراً وندرة في الكثير من مصادر ووسائل البهجة والمتعة والترفيه، والتي تحتاجها هذه الشريحة، بل كل الشرائح. أزمة منتصف العمر، قضية خطيرة للغاية، ولا يمكن تجاوزها أو التقليل من خطورتها إلا بوجود حياة طبيعية وصحية، تتمظهر فيها قيم التسامح والانفتاح والحرية، وتسودها أجواء الفرح والمتعة والبهجة، بعيداً عن التزمت والتشدد والانغلاق..