ليلى جعفر، الابنة الوحيدة لأب كويتي وأم أميركية رحلت مبكراً: «اليقين الأقسى هو أن رحيلها أزف مع إتمامي سنواتي العشر.. بمرض نهش صدرها» وتركتها تعيش في مجتمع الأب «أبقيت كسلي أسفل الوسادة حتى أستجمع طاقتي، وأنضم للعائلة. تلك هي النواة التي تتكئ عليها الكاتبة الكويتية هبة بوخمسين في رسم دراما الأحداث السردية في روايتها الأولى «قليلا.. وشهقة»، الصادرة في بيروت، لدى المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعد المجموعتين القصصيتين: «في قعر أمنية»، و«ذات سكرة». تلك العناوين الثلاثة لها دلالة تنبئ عن شغف الكاتبة بالإمساك بالأحلام والأمنيات، في لحظة تكونها الأولى، لتنسج منها رؤاها وكتاباتها، من دون أن تقلل من قدر الواقع في رسم مسارات الحياة: «كنت عجينة في طور الاختمار وتنتظر تشكيلها لتُخبز»، ذلك ما يلمسه القارئ بوضوح حين يتعمق في تفاصيل الرواية وأحداثها. رهافة الذات:الرهافة التي تتمتع بها الذات وهي تتشكل وفق منطقها الخاص، ما تركته العابرة «الأم» من آثار في جيناتها، وما بثه الأب «الليبرالي» ومحاولته الدؤوبة للعيش وفق منطقه الفردي من خلال قناعته، بعيداً عن القبلية والتشدد، وما لمسته بنفسها وكان له وقع مخيف على روحها، في الفترة القصيرة التي قضتها في كنف العم: «لم تكن ابنة جعفر وماريا، كانت في كنف العم عبدالله الذي يستقي تزمته من التقاليد ويلصقها عنوة بالدين». كل ذلك أكسبها صلابة في مواجهة الواقع، والملامح الرافضة لها من حولها، رغم ما تبديه تلك الملامح من تعاطف مع الأب: «ذاك عمر لوح خلاله الجميع بعلم أميركا عدا عمي، الذي ضاق بنا وما زال». جانب خفي:تقود الأحداث في الرواية إلى مناطق سرية، تكشف دواخل كثيرين، خاصة ذلك الجانب الخفي، الذي يخفيه المرء بإرادته ورغبته عمن حوله، يظهر ذلك جلياً في: علاقة الأب «جعفر» بسارة، وزواجهما في نهاية الرواية، وإنجابهما «ماريا» والأب في عامه الخامس والخمسين. وعلاقة سارة بأسرتها، والأهم علاقتها بذاتها «مريم»،الفتاة اللبنانية. استطاعت هبة بوخمسين أن تنسج بمهارة تفاصيل الشخصيات، وأن تنفذ في دواخلها، وذاتيتها، ونجحت في أن تتركها تبوح على حريتها، مُسلطة الضوء على مكامن ضعفها وقوتها، تفاعلها مع المجتمع وأزماتها، نجاحاتها وإحباطاتها، لتقدم صورة حية، نابضة للذات، وهي تندمج فيما حولها، أو تنعزل عنه بإرادتها، مُعلية من شأن الحب والعاطفة في إنقاذ الإنسان من هواجسه، وتحرره، وارتقائه بروحه: «الحب اختصار للأزمنة، تلخيص للوجود، حل للمعضلات، ذوبان العوائق، مصالحة لذيذة بعد عتب ينتظر التراضي». (*) روائي مصري