جاءت كارثة سقوط طائرة الركاب التابعة لشركة "إير آسيا" الخاصة الماليزية، خلال توجهها من مدينة سورابايا في جاوا إلى سنغافورة والتي حملت رحلتها رقم QZ 8501، لتؤكد أن التطور التكنولوجي الذي حققه العالم على مدى العقود الماضية في مجال الطيران سيظل عاجزا أمام الوقوف كحائط صد في مواجهة مسلسل كوارث الطائرات، خصوصا أن سقوط الطائرة، وهي من طراز أيرباص 320-200 كانت تقل 155 راكبا إضافة إلى ستة من أفراد طاقمها، جاء في وقت لا يزال فيه مصير الطائرة أم أتش 371، التابعة لشركة الخطوط الماليزية التي اختفت في 8 مارس من العام الماضي وعلى متنها 239 راكبا مجهولا. مسببات طبيعية من جهته، يرجع خبير تحليل الحوادث بوزارة الطيران المدني المصرية سابقا الرئيس السابق للجنة التحقيقات في حوادث الطيران شاكر قلادة، حوادث الطائرات إلى الظروف الطبيعة التي يدخل ضمنها العمر الافتراضي للطائرة، وأخرى فنية كأن يصيب الطائرة عيب ميكانيكي، أو أن تكون قراءة عداد الطائرة خاطئة بحيث توحي لقائد الطائرة ومساعده بأن الطائرة تتجه ناحية اليمين أو العكس، فضلا عن العوامل الشخصية وأهمها ضغوط العمل وعدم الحصول على الراحة الكافية قبل انطلاق رحلة الطيران، أو صعوبة الموقف الفني الذي تكون عليه الطائرة قبل سقوطها، إضافة إلى قلة التدريب وعدم توافر الخبرة اللازمة التي تسمح للطيار بالتعامل مع ما يواجهه من عيوب فنية أو عوامل خارجية كالطقس وغيره". الصندوق الأسود ويضيف شاكر في تصريحات إلى "الوطن": أن الصندوق الأسود يعد الحلقة الأهم في معرفة تفاصيل الرحلة وأسباب وقوع الكارثة، لكنه ليس كل المسالة لأنه عادة ما يكون لدى المحطات الأرضية، لا سيما مركز التحكم والسيطرة وما يسمى ب"الإيه تي سي" معلومات كافية عن ارتفاعات الطائرة ومناطق تحليقها إضافة إلى التسجيلات الصوتية للاتصالات التي جرت مع الطيار أثناء تحليقه منذ الإقلاع إلى لحظة فقدان الاتصال به"، مضيفا أن "التقارير الدولية تشير إلى أنه منذ مطلع خمسينات القرن العشرين وحتى اليوم، سقطت نحو 50 طائرة ركاب مدنية في حوادث مميتة تعود لأسباب مختلفة، أبرزها العمل التخريبي، ومن الأسباب أيضا ما بقي مجهولا، وأن الحوادث التي وقعت أثناء مرحلة التطواف أو الدوران في الجو تشكل نسبة 10% من مجموع الحوادث المميتة، وتشمل هذه البيانات الطائرات التي صنعتها شركات غربية، وسقطت 13 طائرة بسبب عمل تخريبي، وثماني بسبب فقدان السيطرة أثناء التحليق، وثماني بسبب خلل في الطائرة، وأربع بسبب انفجار أو اندلاع نيران، تليها أربع في حوادث اصطدام، كما سقطت طائرتان أثناء تعرضها لعلمية اختطاف، وهناك ثلاث طائرات، واحدة سقطت على سطح الماء بسبب نفاد الوقود وتحطمت، وأخرى سقطت بسبب عطل كهربائي، والأخيرة أسقِطت بإطلاق النيران عليها، فيما بقيت حالات سقوط أربع طائرات مجهولة حتى الآن، وكان آخرها رحلة الخطوط الماليزية في مارس الماضي، ولا أحد يعرف عنها شيئا، حتى إنها تعد من أكثر القصص غموضا وتحولت ظاهرة اختفائها إلى لغز لم يستطع أحد حله حتى اليوم". ويرجع قلادة الغموض الذي يكتنف سقوط بعض الطائرات إلى "أن العالم يعيش الآن في مرحلة الجيل الرابع من المسجلات التي تسجل البيانات الخاصة بالطائرة أو بالأصوات الصادرة من قمرة القيادة، وهي عبارة عن نظام مسجل من مجسات، وفي بعض الأحيان تتعرض تلك المجسات إلى أعطال جراء الحادث، ما يؤدي إلى صعوبة التعرف على تفاصيل ما جرى قبل لحظة وقوع كارثة سقوط الطائرة". معلومات 25 ساعة ويقول المدير العام لمركز تحليل البيانات بوزارة الطيران المدني في مصر المهندس أشرف غنيم في تصريحات إلى "الوطن" إن "الصندوق الأسود يلعب دورا رئيسا في التعرف على أسباب سقوط الطائرات، إذ يوجد بكل طائرة صندوقان أسودان، الأول يعمل على تسجيل بيانات الطائرة بكل ما يتعلق بارتفاعها ووزنها واتجاهها وقوى انحرافها أثناء الطيران، والثاني يقوم بتسجيل بيانات الصوت داخل قمرة القيادة، ويقسم إلى أربع قنوات، الأولى خاصة بالتسجيلات الصوتية لقائد الطائرة، والثانية خاصة بمساعده، والثالثة تكون موضوعة داخل القمرة بحيث تسجل تفاصيل ما يجري بها، أما القناة الرابعة فتكون مخصصة لأي شخص ثالث يتصادف وجوده داخل قمرة القيادة، كأن يكون متدربا، ووفقا لقواعد التشريع، فإن الحد الأدنى للتسجيلات الخاصة بالصندوق الأسود المتعلق ببيانات الطائرة يجب أن لا تقل عن فترة تقدر ب25 ساعة، ما يعين أن جميع تفاصيل الرحلة تكون مسجلة بها خصوصا وأنه ليست هناك رحلة جوية تزيد على 25 ساعة، أما بالنسبة للحد الأدنى للتسجيلات المدونة بالصندوق الأسود المعني بالتسجيلات الصوتية فلا تقل عن نصف ساعة، وهناك طائرات تزيد مدة التسجيلات الصوتية بها إلى نحو ساعتين، ويختلف الأمر بحسب تاريخ إنتاج الطائرة أو ما يعرف بتاريخ صدور أول شهادة صلاحية للطائرة، وكذلك وزنها وطبيعة تشغيلها، سواء كانت طائرة شحن أو ركاب. مواصفات خاصة وعن موصفات الصندوق الأسود قال المهندس غنيم "كل صندوق مصمم بحيث يكون قادرا على تحمل الصدمات والحرارة العالية والضغوط، كما أنه مصمم بحيث يتم التعامل معه وفقا للمنطقة التي تسقط بها الطائرة سواء كانت يابسة أو مائية، ففي حالة سقوط الطائرة تحت الماء يتم التعامل معه من خلال البنجر، والذي يبث إشارات صوتية يتم التقاطها من خلال أجهزة السونار، كما انه مصمم بحيث يتحمل البقاء تحت الماء لمدة لا تقل عن 30 يوما، وتزيد في بعض الطائرات الحديثة إلى نحو 60 يوما، كما أنه يتحمل ضغط البقاء تحت الماء لمسافة تقدر بنحو 20 ألف قدم. ويضيف أنه "بعد سقوط أي طائرة، يرسل الصندوق الأسود ذبذبات وموجات على قنوات الطوارئ، ومن خلال تلك الموجات يمكن التوصل لموقع سقوط الطائرة، وفي نفس الوقت هناك مشكلة كبيرة في أن يكون الصندوق الأسود يرسل موجات في منطقة ضيقة لا يستطيع إيصالها للجهة المسؤولة أو أن يكون الصندوق مغمورا في عمق البحار، ومن الممكن الكشف عنها عن طريق الأقمار الصناعية من خلال الموجات، لأن الطائرة حينما تسقط يكون على متنها أجهزة محمولة وراديو للطوارئ، وهذه الأجهزة تعمل عادة بعد أن تغمر بالماء، وهذه الأجهزة من الممكن أن تستقبل عبر الأقمار الاصطناعية، وهي عادة ما تستخدم في حالة الحوادث التي يكون فيها أشخاص ناجون ويقومون بتشغيل الأجهزة، وفي مثل هذه الحوادث يتم الاعتماد على أجهزة الرادار، حيث تقوم بمراجعة النقطة الواضحة فيها ومسار الطائرة والموقع الذي يمكن وجود الطائرة فيه، إضافة إلى الموقع الذي ارتطمت به، وفي بعض الأحيان يكون التحديد غير دقيق لكون الطائرة ربما تحركت مسافة طويلة"، مضيفاً أن "الطائرات الحديثة جميعها ترسل إشارات عديدة إلى الشركة المصنعة والشركة المشغلة وغيرهما، بإشارات الكترونية تعطي تنبيهات عن حالة الطائرة وحالة المحركات وأشياء أخرى يستفاد منها في أمور الصيانة، كما حدث بالنسبة لحادثة طائرة الأير فرانس التي أقلعت من البرازيل والتي اعتمد الخبراء فيها كثيرا على هذه الإشارات لتحديد فترة الطيران التي استغرقتها الطائرة بعدما فقدوا الاتصال بها، والظروف الفنية والخلل الذي حدث وأدى لسقوطها". كوارث مفاجئة ويشير غنيم إلى أن شركات الطيران تلجأ إلى ما يسمى ب"القراءة السنوية لمسجل بيانات الطائرة" للتعرف على مدى صلاحيته، كما يتم إجراء فحص عملي من جانب الطيار قبل كل رحلة لقياس مدى صلاحية المسجل الصوتي CVR وقياس مدى صلاحية مسجل البيانات SDR، مضيفا أنه "رغم اتخاذ كل تلك التدابير الإجرائية، يبقى الأمر في النهاية مرهوناً بعوامل فنية وشخصية قد تؤدي لوقوع الكارثة"، مشيرا إلى أن "سبب تسمية الصندوق البرتقالي اللون بالصندوق الأسود يرجع إما لكآبة الأحداث التي يرصدها، أو لأنه كان يتم تفريغ محتوياته داخل غرف مظلمة يكسوها السواد". تحقيقات الكوارث ويقول خبير القانون الدولي الجنائي الدكتور أيمن سلامة، تعليقا على سقوط الطائرات والتي كان آخرها سقوط الطائرة الإندونيسية، إنه "وفقا لقواعد الايكاو وفي حوادث الطيران فإن الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة هي التي تقوم بالتحقق في ملابسات الحادث، والصندوق الأسود من أهم الأدلة الدامغة والوثائق المهمة للجنة التحقق الفنية المحايدة المسئولية التقصيرية إن وجدت". وأضاف سلامة أنه "على ضوء التحقيقات التي تعتمد كثيرا علي الصندوق الحاوي لكل المحادثات والاتصالات من وإلى قائد الطائرة يمكن إقرار العديد من المسائل القانونية ومن بينها تقدير التعويضات، والمسؤولية التقصيرية يمكن أن تطال الأشخاص والهيئات والحكومات، مثل طاقم الطائرة والناقل الجوي ممثلاً في الشركة مالكة الطائرة والشركة المنتجة أي المصنعة للطائرة، والشركة المسؤولة عن الصيانة للطائرة، وكذلك حكومة دولة الإقليم الجوي التي لم تسمح في حالات الظروف الجوية الطارئة بدخول إقليمها الجوي من الطائرة، وحكومة الدولة التي لم تحذر الطائرة من ظروف جوية مغايرة في حال علمها بذلك، ولحين الوصول للنتيجة النهائية حول ملابسات الحادث، فان الناقل الجوي، وهو شركة الطيران، تكون ملزمة بدفع تعويض مالي فوري قدره 150 ألف دولار لأسر الضحايا، على أن تخصم قيمة التعويض بعد التوصل النهائي للحقائق القانونية حول أسباب الحادث والمسؤولية عنه". تعويضات وأشار سلامة إلى أن ما سبق يؤكد أن هناك العديد من السبل لحصول الضحايا على تعويضات حتى لو كان أمر سقوط الطائرة متعلقا بالظروف المناخية السيئة التي واجهتها طائرة "إير آسيا" على علو مرتفع هي "العامل المسبب" لتحطمها في بحر جاوا في اندونيسيا، حيث يعني ذلك أن الطائرة حلقت بين سحب شكلت تهديداً كبيرا لها، ومنها ظاهرة الضباب المسبب للجليد والذي يمكن أن يلحق ضررا بالمحركات بسبب عملية تبريد، مضيفا أن "التقارير تشير إلى أن قائد الطائرة طلب تحويل مسار الرحلة لتجنب عاصفة، لكنه لم يمنح الإذن بالارتفاع على الفور بسبب حركة ملاحة جوية كثيفة، وبعد ذلك، اختفت الطائرة عن شاشات الرادار". الصندوق الأسود "الصندوق الأسود" يتم من خلاله استخدام المعلومات المأخوذة من مسجل بيانات الرحلة للطائرة ومسجل صوت قمرة القيادة لاستحداث رسم متحرك تفاعلي لشاشات الرحلة في اللحظات الأخيرة قبل التحطم، أو هو جهاز تسجيل بيانات الرحلة الجوية وآلة تسجيل الصوت داخل مقصورة القيادة. الصناديق السوداء: تسجل مؤشرات الرحلة الأصوات من قمرة القيادة والمحادثات. تحوي الطائرة صندوقين: الأول: لحفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية "الوقت، السرعة، الاتجاه". الثاني: مهمته تسجيل الأصوات "مشاحنات، استنجاد، حوارات". مسجل صوت قمر القيادة "يحوي ذاكرة فلاش". مسجل بيانات الرحلة يحوي: "مرشد لاسلكي تحت الماء يحدد المكان" "وحدة ذاكرة من الفولاذ المقاوم للصدأ أو من التيتانيوم يمكنها تحمل ضغط ما يعادل 3.400 مرة قوة الجاذبية ودرجات حرارة تصل إلى 1.100 درجة مئوية". • لونه برتقالي حتى يسهل العثور عليه وسط حطام الطائرة أو في أعماق المحيطات. • السبب في تسميته بالصندوق الأسود يرجع إلى ارتباطه دائما بالكوارث والمصائب الجوية. • صندوق فولاذي مستطيل الشكل، مصنوع من مادة تقاوم درجة حرارة تصل إلى 1100 درجة فهرنهايت. • يحوي بداخله أجهزة تسجل كل ما يحدث للطائرة أثناء تحليقها في الجو، خصوصا نصف الساعة الأخيرة قبل الحادث مباشرة، وهو يسجل أوتوماتيكيا بدون تدخل الطيار أو أي فرد في الطائرة ويوضع في ذيل الطائرة. • يتضمن أجهزة الصندوق الأسود سونارات تبث نبضات صوتية يمكن أن تعمل على عمق 6.000 متر "20 ألف قدم" تحت سطح مياه المحيطات. • جهاز تسجيل بيانات الرحلة الجوية موجود قرب ذيل الطائرة، حيث من المتوقع أن ينجو من التعرض إلى أضرار في أكثر الحوادث خطورة. الكسوة: طبقة من الصلب تعمل درعا لحماية الأجهزة. وحدة الذاكرة المقاومة للاصطدامات: CSMU تحتفظ ب25 ساعة من البيانات الرقمية لمعلومات الرحلة بجودة عالية ومن دون ضغط للمعلومات. جهاز الإرشاد تحت الماء: يتم تشغيله تلقائيا في الماء، يبعث موجات فوق صوتية كل ثانية بتردد 37.5 كيلوهرتز، تدوم فعالية البطارية الممدة بالطاقة إلى 90 يوما. علي حسن – مركز المعلومات