انطلقت الجزائرية فضيلة الفاروق من تجربتها الصحفية لترسم خريطتها الأدبية في عالم يعتمد على المواجهة دون مواربة. وهو ما وضعها أمام مشكلات مع النقاد وأحيانا القراء، لكن هذا لا يلغي أنها أوجدت لنفسها مكانا على الساحة الأدبية تبوح من خلاله عن المسكوت عنه، منتفضة على واقع نسائي تتمنى أن يتغير ذات يوم، هنا حوار معها: عملت في الجزائر صحفية واطلعت على واقع الفتاة الجزائرية. فما القصة النسائية الأبرز التي تتوقفين عندها؟ قلت أشياء كثيرة في رواياتي وقصصي القصيرة وخواطري وقصائدي، الجزائر تحضر أكثر من أي فضاء مكاني آخر في أدبي. تسيطر عليّ المرأة الجزائرية لأصف واقعها كما عشته. أحمل في جيناتي تاريخا طويلا من القهر الذي تعرضت له المرأة الأمازيغية في الشمال الأفريقي. القصة الأبرز التي تؤثر فيّ دوما، هي رؤية المتسولات في الشارع، محاطات بأولادهن. تطرد المرأة من بيت الزوجية ظلما لأسباب عدة، ولأنها تجهل القانون تلجأ للشارع وتمد يدها لتعيش، أما بعض الحالات فالقانون نفسه يظلمها، كأن تكون المرأة عاقرا ويموت زوجها فترث من بيتها غرفة واحدة أو نصف غرفة، ويتفق الورثة على بيع البيت فترمى المرأة خارجه، أو تتعرض لمرض سرطان الثدي فتبتر أثداؤها، وقبل خروجها من المستشفى تتلقى ورقة طلاقها فيستقبلها الشارع إن لم يكن لها أهل يؤونها، أو تتعرض للاغتصاب فيتبرأ منها أهلها ويرمونها للشارع. لكن مع هذا فأكثر النساء نضالا لتغيير القوانين الجائرة ضد المرأة هن الجزائريات والمصريات. إلا أن المشكلة الكبيرة التي تواجههن هي البرلمانات والإعلام الذكوري الذي لم يدرك بعد أن كرامة الفرد العربي تبدأ من احترام المرأة. كتبت في روايتك "تاء الخجل" عن الفتيات المغتصبات اللواتي جمعن في مركز نبذه أهل القرية. ماذا شاهدت حتى تأتي الصورة بهذه القسوة؟ "تاءالخجل" رواية خطيرة.. لو أن عالمنا العربي يقدر النضال بالأدب.. لقد كتبت عن خمسة آلاف امرأة تعرضن للاغتصاب في الجزائر خلال العشرية السوداء، لم تكن حادثة في قرية، كانت ظاهرة في وطن بأكمله. وكانت أول رواية تعالج الموضوع بهذه الشجاعة، لذلك حوربت لأني قلت لا للاغتصاب. لقد اغتصبت نساء كثيرات في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي، ثم يأتي يوم نرى فيه الرجل الجزائري يغتصب الشابة الجزائرية! جمعتني الصدف ببعضهن في مركز فتح للمغتصبات في مدينة "عنابة". مشكلتنا في القوانين وفي برامجنا التعليمية. لذا يجب أن نغير القوانين ونعلم أبناءنا أن يحموا نساءنا لا أن يذلونهن! ما تعريفك للتمرد الأدبي؟ ومتى يصبح مسموحا به للكاتب؟ لقد تغيرت بوصلة أدب التمرد اليوم من انتقاد الأنظمة السياسية الحاكمة إلى المجتمع، بعد اكتشافه أنه يناضل من أجل المواطن! لذلك يتميز أدب التمرد بحالات عاطفية ونضالية فريدة من نوعها، هدفها التعبير عن تردي الواقع. وهنا تكمن "الشطارة" في قول الحقيقة إلى أبعد الحدود. مازالت روايتك الأخيرة "أقاليم الخوف" محط جدل بين النقاد. فعن أي خوف تتحدثين فيها؟ الرواية عن وضع المرأة المسلمة في المجتمعات العربية. شاهدت من خلال بعض الأفلام الوثائقية ما تتعرض له المرأة من اضطهاد في الأقاليم الإسلامية، ما يعني أننا نقدم صورة سيئة عن إسلامنا! في الوقت الذي أنصف فيه الإسلام المرأة. ورد في الرواية جملة مفتاحية هي: "لا أحد يعرف الشرق كما أعرفه أنا" كيف ترى ابنة المغرب العربي الشرق؟ أحمل الشرق في جذوري. وهذا ما ترجمته في الرواية من خلال إعجاب "مارغريت" بالشاب الشرقي ورائحة العطور والبخور والأفكار العربية وبقايا ألف ليلة وليلة. هذا هو الشرق النقي الذي يجب ألّا نزيفه. وشخصية "مارغريت" في الرواية اختصار للشرق المشوه الذي يرى في نفسه كائنا غربيا وعصريا وشرقيا أيضا! اتخذت في رواية "أقاليم الخوف" موقفا عدائيا من الجماعات الجهادية وكأنك تدينين تيارات الإسلام السياسي! هناك جهاد حقيقي قائم على فكرة إسلامية إيمانية صرفة. وفي المقابل نجد جهادا مزيفا يقتل الآخر المختلف. وهو ما واجهناه في الجزائر، حيث يقتل موظف في الدولة لأنه حسب معتقداتهم "يعمل مع الطاغوت"! يقنعون الشباب بأن القتل هو طريقه إلى الجنة. يصنعون منهم آلة للقتل! رغم أن الله سبحانه وتعالى فرض علينا الحفاظ على نعمة الحياة التي منحنا إياها، دون أخذ أنفسنا إلى الهلاك عبر تفجير أجسادنا باسم الجهاد!