يواصل الروائي اليمني علي المقري تجربته (الروائية/ الإنسانية) التي يحاول فيها تلمس المشتركات الإنسانية بين مختلف الديانات والأعراق البشرية للوصول إلى مرحلة التعايش الحقيقي. ففي روايته الجديدة التي ستصدر هذا الأسبوع عن "دار الساقي" في بيروت بعنوان "بخور عدني"، يرصد ملامح تعايش المسلمين واليهود والمسيحيين والهندوسيين والزرادتشيين والبوذيين والكونفوشيوسيين وغيرهم من أتباع الديانات والمذاهب ومن لا دين لهم أو عقيدة، عبر قصص حب وحياة، في مدينة فتحت أبوابها للجميع؛ كما هي رواية عن المِحن المصاحبة لهذا التعايش ابتداء بالتطرف الديني والسياسي وليس انتهاء بسطوة الخائفين الذين يخيفون أكثر من غيرهم. يقول المقري ل"الوطن": روايتي الجديدة "تبحث عن معنى الوطن" في مدينة كانت حتى وقت قريب مقصداً لكل الباحثين عن حياة مختلفة. ويضيف: الرواية تسرد عوالم هذا التعايش وإمكانياته في عدن، التي كان للإدارة الهندية التابعة للاستعمار البريطاني أثرها على تكوين مجتمعها إذ شكل الهنود والصوماليون والعرب واليهود والزرادتشيون الفرس والأوروبيون ملامح هذا المجتمع وطريقة عيشه. وتبدو إمكانيات هذا التعايش في عدم وجود الواجبات "الوطنية" السلطوية، التي لم تعد مقبولة، وفي حرّية الاعتقاد والتجارة وإنتاج الفنون سواء تلك المعبرة عن الهويات الثقافية أو الخارجة عنها. وتتجلى إمكانيات التعايش، أيضاً، في الحب والزواج المختلط من كل الأعراق والثقافات، وفي تجاور المساكن بأحياء لا يقتصر العيش فيها على فئة معينة، مثل "الحي اليهودي" في عدن الذي وإن كان قد عُرف بهذا الاسم، فإنه لم يكن يشبه تجمعات الغيتو اليهودية المنغلقة في معظم البدان، إذ سكن في الحي نفسه المسلمون والمسيحيون والهندوس والزرادشتيون وغيرهم. وعن المغزى الذي تحاول الرواية تلمسه يقول المقري: مهددات التعايش، التي تتجلى في العبء الأسطوري للتاريخ وربطه بالهوية الدينية والقومية والوطنية، وهي هويّة متغيّرة تقدّم في كل زمن أجوبتها الشمولية عن كل شيء، يتساوى بذلك رجال الدين والثوار الوطنيون أو القوميون، كمفهومهم للوطن وحدوده وسلطته السياسية. وهذا المهدد للتعايش ينمو أكثر مع وجود سلطة استعمارية تحتكر الإدارة السياسية والوظيفية وتنفرد بوضع شروط الحق في العمل والمشاركة المجتمعية. ويشير المقري إلى أن الرواية: إشارات تاريخية تعود إلى سنوات تمتد من منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى بداية السبعينيات. إلاّ أن صاحب "بخور عدني" يؤكد أنه لم يكتب رواية تاريخية وإنما كتب رواية تضع بعض جوانب التاريخ الاجتماعي والسياسي في المحك الروائي، وإنّ ما يشير إلى هذا الجانب التاريخي في الرواية لا يتعدى بضع فقرات أو أسطر قليلة في الرواية كلها. فبإمكان الكاتب، كما يقول، أن يستعيد حدثاً ما سواء بنقله أو بالإشارة إليه إذا رأى أنّه يساهم في إضاءة المحنة الإنسانية التي يتناولها. ويضيف: السارد في الرواية ليس بعيداً عن أجواء ما يسرده، فله أيضاً تصرفه المرصود من القارئ، ومشاركته في الفعل حتى وهو يسرد في ضمير ال "هو"، فالسارد بهذا الضمير لا يبدو في هذه الرواية راوياً عليماً، كلِّي المعرفة بكل شيء، حسب التصنيف التقليدي للرواية الحديثة وإنما يبدو كتداع أو منولوج داخلي لا يختلف عن التداعي الذاتي في ضمير ال "أنت" أو "الأنا". إذ إن ضمير ال "هو" لا يبتعد عن الموضوع المسرود، إذ يلجأ السارد إليه، حين يريد تأكيد إخفاء هويته ولا يريد أن يفصح هل هو فرانسوا أم ميشيل، الذي يحمل اسمه. سبق أن صدر للروائي علي المقري روايات: "طعم أسود... رائحة سوداء"، القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية-البوكر 2009؛ "اليهودي الحالي"، القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية-البوكر 2011، وقد صدرت رواية "اليهودي الحالي" بالفرنسية بعنوان: "Le Beau Juif" ، وبالإيطالية بعنوان "IL BELL'EBREO" وستصدر قريباً بالإنجليزية والكردية؛ وله أيضاً رواية "حُرمة" 2012، التي ستصدر قريباً بالإنجليزية وبالفرنسية.