تمثل العتبات المتعددة؛ والمتنوعة معابر المتلقي إلى النص الروائي؛ إذ هي أولى المؤشرات الدالة على عالم الرواية، والمغرية للمتقبل على اكتشافها، وكل عتبة منها تمثل بنية وإن بدأت مستقلة عن غيرها من بنيات العتبات، فإنها في الحقيقة مترافدة معها ومتنافذة، حيث تسهم جميع هذه العتبات وما تتميز به كل منها من خصائص بنيوية في الإيحاء بعوالم النص الروائي. 1- العتبات الخارجية: هي مجموع العتبات الماثلة خارج النص: - عتبة الغلاف: بنيت على لوحة تقوم على ثنائية الصورة والحرف، قسمت في شكل عمودي جاء نصفها الأيمن مجسمًا لجزء من صورة رجل يتوكأ على عصاه، في وسط طبيعي يوحي بانتمائه إلى جغرافية الصحراء، صورة اختار لها الكاتب اللونين الأبيض والأسود للدلالة على انتمائها للزمن الماضي، ومن ثم للذاكرة التي ستعمد إلى استعادتها في الزمن الحاضر زمن الكتابة، إنسان وأرض علامتان دالتان على الانتماء ومن ثمة على الهوية، أما النصف الثاني من لوحة الغلاف فجاء مكتوبًا بالكلمات تصدرته في الأعلى كلمة رواية الدالة على انتماء هذا العمل الأدبي إلى جنس الرواية، ثم أثبت الكاتب تحتها هويته: اسمه ولقبه، يمتلك منزلة اجتماعية تتجلى في وظيفته صحفيًا ومرتبة أدبية تتمثل في حضوره في المشهد الأدبي السعودي والعربي والعالمي قاصًا وروائيًا، حيث ترجم عددًا من أعماله إلى اللغات الأعجمية، من مثل الفرنسية والانجليزية. أما عنوان الرواية: فجاء تحت اسم الكاتب بخط سميك وبلون أحمر مغاير، لذلك الذي كتب به. وهي صيغة مركبة تركيبًا إضافيًا من خلال إضافة عبارة فخاخ إلى الرائحة، تركيبًا لا يخلو من مفارقة صادمة لذائقة القارئ إذ تدفعه للسؤال: هل للرائحة فخاخ؟ وهو سؤال يبقي الكاتب الإجابة عنه للنص، ويحفز القارئ على فك رمزيته، فالعنوان ممتنع عن الإيضاح مغرٍ بالبحث والاكتشاف والغوص في كل بنيات الرواية. وهكذا فإن بنية العنوان بنية ثنائية يتعالق فيها شكل الصورة مع الكلمة، الصورة توحي للماضي، والكلمة تنتمي إلى الحاضر. 2- العتبات الداخلية: تتمثل في عتبة التصدير والتعليقات التي ضمنها الكاتب عددًا من الآراء والمواقف التي عبر عنها نقاد عرب، وأجانب، حول رواية (فخاخ الرائحة). وهي عتبة دالة على رغبة الكاتب فيها، والمتمثلة في التأكيد على منزلته الأدبية، وإضفاء المعنى عليها، والرفع من شأنها، وهذا ما يحولها إلى نوع من إعجاب الكاتب بذاته الأدبية، محليًا وعربيًا وعالميًا، وفي ذلك نوع من الانتصار للذات، تمارسه الأنا الكاتبة، إعلاءً من شأن الأنا الواقعي؛ عند يوسف المحيميد. كما تتجلى في العناوين التي يسمى بها الكاتب روايته، وقد بلغ عددها الأربعة عشر عنوانًا، تنوعت صيغها، وتميزت بكثافة إيحائها، ويتجلى من خلال هذه العتبات النصية الداخلية، امتداد تأثير خصائص القصة القصيرة في الكاتب؛ وهو يمارس تجريب الرواية بآلية جديدة، فشخصية يوسف المحيميد القاص والروائي موجودة في هذا العمل الروائي، وفي هذه العتبات العناوين علامة دالة على ذلك. 3- الفضاء الروائي البنية والدلالة: تتعدد فضاءات رواية فخاخ الرائحة وتتنوع، بين فضاءات مدينية تمثل الرياض الفضاء المدار؛ وفضاءات ريفية تمثل فيها الصحراء فضاء الامتداد، هي ثنائية الريف والمدينة، وما تكشفه من تباين في قيم الناس وسلوكياتهم، فضاءات الرياض القائمة على عدد من المفارقات، من مثل أماكن القرار، قصور الطبقة الراقية، وبيوت الفئات الفقيرة والمستضعفة، وأماكن الانتقال التي تمثلها الحارات، والشوارع، والأزقة، والدروب، وهي كذلك الأماكن الخاصة القصور، الدور، الغرف، والأماكن العامة، الأحياء، السوق، الوزارة، الميناء، محطة السفر، وهي قد شكلت بنية الفضاء بالطابع الجدلي، وذلك بسبب المفارقة في هذه الأماكن. 4- في بنية الشخصيات ودلالاتها: تتعدد شخصيات رواية فخاخ الرائحة وتتنوع، إلا أن شخصية طراد تبقى هي الشخصية المحورية التي تدور في فلكها سائر شخصيات الرواية، من مثل العم توفيق، وناصر عبدالإله، خاصة فضلاً عن الشخصيات الأخرى التي يلقها مصادفة وتنشأ بينه وبينها علاقات تختلف مساراتها وصورها ونهاياتها. كما جعل الكاتب بنية شخصية طراد في شكل بنية لا تكتمل هذه الشخصية إلا والرواية تشرف على النهاية، بنية تعكس تداخل أحداث وجود طراد من خلال ما يستعيده عبر التذكر والتخيل من تجارب ومغامرات مرت به، جاءت بداياتها من الصحراء قاطعا طريق قوافل الحجاج يمارس الحياة في الصحراء، ويأكل منها، حيث كانت علاقته بالأسرة تكاد تكون ضعيفة، وبسبب ذلك يفقد أذنه في إحدى الوقائع التي خاضها مع حنشل القوافل، ليخفيها دومًا عن العيون، لأنها أصبحت تمثل له مصدر ألم، وعقدة نقص لا تنفك عنه، ثم ينتقل من الديرة أي القرية أو الصحراء إلى المدينةالرياض، التي يسميها بجهنم، يتنقل بين أكثر من مهنة، ويعيش أكثر من تجربة ومغامرة، ينتهي أغلبها إلى الفشل في مهن عدة، كل هذا جعل حياته تتسم بالاختلال، المادي والنفسي، والاجتماعي، من خلال إحساسه بالغبن، والحيف، والظلم. يقول: «أنا لا أبحث عن الجنة ولا عن فردوس أو نعيم، أريد فقط مكانًا يحترمني، لا يذلني، ولا يعاملني كالكلاب» . وهو ما يكشف عن عقدة النقص في شخصيته، التي تبحث عن قيم أصيلة، في مجتمع لا يرحم. وكذلك هو شأن العم توفيق، الذي تسرد حكايته بنوع من التزاوج، مع طراد، وكأنهما وجهان لعملة واحدة مع فارق لبعض المسارات، تستهويه رائحة الشواء، في قرية أم هباب، الواقعة في وسط السودان، يقبض عليه، الجلابون ويسوقونه رقيقًا إلى الحجاز مع عدد من أترابه، في سفينة يعتدي فيها عليه، مما أثر في رؤيته للناس والحياة، وهو ما يبوح به لطراد في قوله: «عرفت أن الناس كلهم ممكن أن يفعلوها بك في اليوم عشرات المرات، بأكثر من طريقة، وبأكثر من معنى»! . ثم يسير عبدًا في أحد منازل محلة المظلوم، ويتم خصيه، بعد أن وقع في فخ رائحة المخدر، وذلك حتى يؤمن بقاءه في القصر مع الحريم؛ ليزيد إحساسه بفقدانه، لهويته الذكورية، على إثر تجربته الحسية، مع زهيرة، تجربة غادر بعدها القصر إلى آخر حيث أصبح سائقًا فيه، ثم يعتق على إثر صدور الأمر الملكي بتحرير العبيد، إلا أن حريته بدأت له سرابًا، حيث لم يتوصل إلى أن يكون له حياة مستقرة، حيث لم يعرف طريقًا يكسب له رزقه، أو مكانًا يأوي إليه، مما عمق إحساسه بالمهانة والاحتقار، وانسداد الأفق عن كل طموح وحلم كان يتمناه لحياته. إذ كان يعيش الموت في الحياة وهذا ما يفصح عنه في قوله في خطاب بوح: «كنت أرى أنني طير في سماء السودان، قبل أن يشهر أحد الجلابة بندقيته نحوي، وتقصدني رصاصة هائلة وسريعة، لم أتمكن من تفاديها، لتبث الريش أبيض في الفضاء وهو يتطاير من جسدي قبل أن أسقط جثة هامدة» . بنية شخصية متشظية تجسد كيانًا سُلبت منه الحرية منذ الطفولة، كما انتهكت حميمية جسده الطفولي، فضلاً عن فقدانه لهويته الجنسية، على أثر خصية ذكورته، فأصبح كيانًا مسلوب الإرادة؛ جعلته حزينًا على حاله، وحياته المستقبلية بعد أن فقد القدرة على الفعل. ولا تختلف بنية شخصية ناصر عبدالإله في تشظيها عن بنية شخصيتي طراد، والعم توفيق، شخصية مدينية الانتماء، ولكنها فاقدة للنسب، إذ هو لقيط وُجد أمام مسجد عبدالله بن الزبير في أحد أحياء الرياض يطلق عليه حي السد الغربي، وفقد إحدي عينيه بفعل نبش قطة لها، ولم يُعرف له لا أُمًا ولا أبًا، نشأ في إحدى دور الحضانة حيث أمضى سنواته الأولى، قبل أن تتبناه إحدى السيدات، لينتقل إلى القصر الذي يشتغل فيه العم توفيق سائقًا، ثم يعود إلى دار الحضانة ثانية، بعد أن حملت سيدته، التي كانت تنوي تبنيه. شخصية هي الأخرى متشظية حزينة مهمومة، ينتهي وجودها إلى أفق مسدود. 5- في خصائص البنية الحديثة: تتميز بنية المتن الحكائي لهذه الرواية بتداخلها حيث لا تعرض الأحداث متعاقبة متنامية؛ وإنما متشظية ومتداخلة ومتشعبة المسارات، تداخل في البنية هو وليد سمة التشظي التي تميز الشخصيات، وكذلك صفة التعقيد التي تسم الواقع وبناء عليه فإن الواقع المعقد لا يمكن أن يصاغ إلا في بنية تتميز أحداثها بالتداخل، والتشابك، والتشعب، مما يعسر عملية تلقي القارئ لها، إذ تقتضي منه جهدًا في تحويل فوضاها إلى نظام، وتشتتها إلى وحدة، وتداخلها إلى انسجام، وبنيتها إلى إفهام. فقد اعتمد الكاتب تقنية التقطيع الحدثي للحكاية وكذلك تقنية التوالد الحكائي، حيث تتولد الحكاية عن الحكاية، فالحكاية الإطار، هي حكاية طراد؛ وهي التي تشكل، البنية الحكائية الشاملة للرواية، وتحوى عددًا مهمًا من الحكايات داخلها، حكايات تنبني على التداخل والمراوحة، هي حكاية، العم توفيق، وناصر عبدالإله، وحريم القصور من السيدات والجواري: زهرة، وأم كلثوم، وغيرهن من النساء. حكايات يرفض بعضها بعضًا، ويتضافر جميعها في تشكيل الحكاية الجامعة للرواية، وتسهم تقنية التوالد الحكائي، في إغناء النسيج النصي للرواية، جماليًا ودلاليًا؛ بنية حدثية تستمد من تداخلها العلامات الدالة على حداثتها، باعتبار تجاوزها النظام التعقبي لبنية الرواية الكلاسيكية في أنماطها الواقعية. 6- بنية الخطاب السردي: تتعدد تشكلات الخطاب السردي في النص الروائي، وتتنوع، وفق تعدد مكوناته وتنوعها، إلا أنه يمكن التركيز على ضربين أساسيين من ضروب الخطاب السردي وهما: الخطاب الراوي، والخطاب المروي. وهما خطابان يتعالقان داخل العمل الروائي، ويتكاملان في إنتاج نسيجه النصي جماليًا ودلاليًا.. أ- الخطاب الراوي: هو الخطاب الذي يتصل بالملفوظ الحكائي الذي ينتجه سارد أو عدد من الساردين؛ ويتوجه به إلى متلقي النص الروائي، لذلك فهو يقوم أساسًا على عدد من العناصر التكوينية، من مثل السارد، والصوت السردي، والرؤية السردية. يتجلى السارد في رواية فخاخ الرائحة في أكثر من صورة، تتخفى وراءها الذات الكاتبة، فهناك السارد العليم الذي يتولى سرد جوانب من محكى شخصية طراد في تقلباتها وما تعكسه من أوجاع الذاتِ، مما يكشف أن هذا السارد الكلاسيكي يعرف عن شخصية طراد، وباقي شخصيات الرواية ما تظهره وما تبطنه، ومن ثم فإنه يمتلك معرفة مسارات حياتها، واختياراتها، وما انتهت إليه من مصائر. وهو ما نمثل له بهذا المقطع: «لم يكن طراد قد قرر إلى أين سيغادر، المهم أنه دخل إلى صالة السفر، متجهًا إلى أحد موظفي التذاكر بعد أن كره هذه المدينة، وكره أهلها جميعًا (...) بعد أن لجأ إليها صبيًا طائشًا وأعزلاً، تعلم في ليلها الحروف، وتهجا الكلمات حرفًا حرفا، وأنهكه العمل الدائب في نهارها المحرق» . وهو الخطاب الذي يصوغه السارد بضمير الغائب المفرد هو، ليعكس بذلك رؤية سردية عند السارد، إلا أن الخطاب الروائي وإن حضر فيه هذا السارد العليم، فإننا نجد الذات الكاتبة تفسح المجال لشخصيات الرواية الأخرى، كي تصوغ خطابها بنفسها بضمير المتكلم، فتكون ساردة وفي الآن ذاتيه موضوع سرد، لأنها شخصية أساسية من شخصيات الرواية، مما يجعلها ذواتًا ساردة مشاركة في نسج الحكاية، وهو ما تجسده شخصيتا طراد، والعم توفيق. حيث يتولى طراد سرد محكى حياته بضمير المتكلم أنا في فصول مستقلة من الرواية، هي عراك طويل، وجسد ناضج كثمرة، وعراك مع الحرس، وسجناء الرمال، محكى ذات وحياة صاغه طراد في خطاب ذاتي يردد إيقاع الفاجعة والمأساة. ثم إن تعدد رواة هذا الخطاب السردي لرواية فخاخ الرائحة، أنتج تعددًا في الضمائر السردية في الرواية، وكثافة المنتوج السردي الحكائي، الذي ظهر على شكل ضمائر تتناوب في المسرح الحكائي من مثل (هو، أنا، أنت، نحن). فتنوع صيغ السردية، تعطي القارئ أبعادًا، ورؤى جديدة، تساعده على تذوق المنتوج السردي الحكائي. ب - الخطاب المروي: هو الخطاب الذي يتعلق بمحكي الشخصيات التي تتناوب على سرده، ومن ثمة فإن مداره هو المتون الحكائية التي تتولى الشخصيات الساردة التي تتناوب على روايتها. وقد تميزت بنية هذا الخطاب المروي بتداخلها، الناتج عن تطورها الحكائي، الذي اختاره الكاتب المحيميد تقنية أساسية لصوغ روايته فخاخ الرائحة، فالحكاية الإطار هي حكاية طراد، في مختلف مساراتها وتحولاتها، وعلائقها، ومصائرها. وهي الحكاية التي ضمنها السارد عددًا آخر من الحكايات، بعضها يتصل بالعم توفيق، وبعضها الآخر يتعلق بناصر عبدالإله، وعددًا من الشخصيات الأخرى في الرواية، التي أثبتت وجود توالد حكائي، وصف الخطاب المروي بالتشظي والتداخل، بسبب اعتماد الكاتب، تقنية التقطيع والتوليد، لوقائع الحكاية الواحدة، التي يبدؤها دون أن ينهيها في حينها، لينتقل إلى حكاية أخرى يسرد جوانب منها، دون أن يتمها ليعود للحكاية الأولى، وهكذا أنبنى هذا الخطاب على نوع من المزاوجة في الحكي، والمناوبة، مما أضفى سمة التشويق عليه. ج- بنية زمن الخطاب السردي: إن تعدد الخطاب الراوي الذي تناسل إلى خطابات تتناوبها الشخصيات، كما تعدد الخطاب المروي الذي أنبنى على التوالد الحكائي، وتشظية المحكيات، جعل بنية الزمن الخطاب السردي لرواية فخاخ الرائحة، بنية تتداخل فيها الأزمنة، من خلال المزاوجة بين الماضي والحاضر ، مع التنصيص على أن زمن الرواية أي الحكي يبقى الزمن الحاضر وهو زمن الكتابة مقارنة بالزمن الماضي الذي يمثل زمن التجارب والوقائع الذاتية والجماعية المستعادة عبر الاشتغال المكثف على الذاكرة، مما يكشف عن اعتماد الكاتب على تقنية التذكر في تشكيل عالم روايته القائمة على تذكر سائر الشخصيات لماضيها في حاضرها، وخاصة منها والعم توفيق، وناصر عبدالإله، ومن ذلك ما نمثل له بهذا المقطع الذي يروي فيه العم توفيق بداية سيرته في إحدى قرى السودان قرية أم الهباب، وهو طفل الثامنة. قبل أن يتم خطفه من قبل الجلابين: « قبل ستين سنة أو أكثر كنت في قرية أم هباب وقتها كان عمري ثماني سنوات القرية كانت تقريبًا وسط السودان، ما كان فيها الكثير من القطاطي، كنت أسكن في إحداها مع رجل عجوز وزوجته، بعد أن فقدت أمي، بعد هروبها من سيدها أحمد الحاج أبو بكر...» . زمن خطاب تتذكر وتستعيد فيه شخصيات الرواية مراحل مهمة من سير وجودها، التي يبقى الجامع بينها الشقاء والبؤس والمعاناة، في أكثر من صورة، سير وجود مؤلمة على أكثر من موقف، باعتبار أن هذا النص الروائي تشكله أكثر من ذاكرة، مما يجعله يكون ملتقى عدة ذاكرات، هي الذاكرة الفردية المتصلة بالذوات الساردة للشخصيات، طراد، والعم توفيق، وناصر عبدالإله، وهي الذاكرة الجماعية المتعلقة بالبيئات الاجتماعية التي ينتمي إليها هؤلاء، البيئة المدينية الرياض، والبيئة القروية وصحرائها الممتدة بعاداتها وحياتها ومعتقداتها المختلفة، فضلاً عن الذاكرة الإنسانية، التي تمثل مدى ذاكرة الإنسان في بعديها الذاتي والجمعي. وهو زمن خطاب تذكري ينبني على التشظي، وعلامة دالة على تشظي كيان الإنسان، وتشظي واقعه المعولم. زمن خطاب تتزاوج فيه ذاكرة التذكر وذاكرة النسيان، وبناء عليه يمارس الكاتب لعبة التذكر والنسيان، في تشكيل روايته، وصوغ عوالمها المختلفة والمتنوعة، والمترافدة مع بعضها والمتداخلة. إن هذه الدراسة البنيوية لرواية فخاخ الرائحة، للقاص والروائي يوسف المحيميد تمكننا من أن نستخلص منها النتائج التالية: - يعتبر يوسف المحيميد من أصحاب المذهب الروائي التجريبي من خلال كتاباته الروائية، ويسعى من خلالها إلى إنشاء نص روائي حداثي يبعد عن النمط الكلاسيكي المعروف. وهذا ما جعله يصف بنية روايته بالحداثية. - تتجلى وتظهر حداثية بنية هذه الرواية منذ العتبات النصية الداخلية والخارجية، وتتأكد في بنية فضاءاتها، وشخصياتها الرئيسة منها والثانوية، وأحداثها المختلفة المفاجئة، وكذلك في بنية خطابها السردي الراوي منه والمروي، كل ذلك بنيات اشتركت في أشكالها وأنساقها المتداخلة المتشظية والمتفاعلة في جميع أحوالها، حيث تتوالد في نسيج من الحكايات المتنوعة لترد في أنساق متقطعة، تعكس في الظاهر فوضى السرد، ولكنها في حقيقتها تجسد في الواقع نظام الفوضى الموجود في المجتمع وبين أفراده. ويتشظى مما سبق كله سؤال: أليست الكتابة هي الفوضى الوحيدة الممكنة؟!!