"شجرة النخيل المثمرة هي التي ترمى بالحجارة"، ربما كان رئيس وزراء العراق نوري المالكي قد قرأ هذه الحكمة، ولكنه كعادته أخفق في فهم معانيها واستيعاب حكمتها، فظن أن المملكة العربية السعودية هي الدولة التي ينبغي عليه أن يكيل لها الاتهامات، عله يجد تبريراً للإخفاقات التي ظلت تلازمه كظله، والنحس الذي التصق به حتى صار قريناً له. لكن المالكي، كعادته أيضاً، ولقلة معرفته السياسية وضيق أفقه السياسي لم يجد في كنانته غير تهمة الإرهاب ليحاول – بفشل وعجز لا يحسد عليهما – أن يوجهها نحو حكام المملكة، الذين يدرك العالم كله مقدار الجهد الذي بذلوه لمكافحة هذه الآفة الشيطانية التي اكتوت بنارها قبل الآخرين، ولم يع حجم التنسيق الأمني والمساعدات التقنية التي تقدمها لدول الجوار في سبيل تحقيق هذا الهدف. وربما لم يقرأ المالكي حتى في الصحف أو يستمع لنشرات الأخبار في الفضائيات القوانين الصارمة المتتابعة التي أصدرتها المملكة في هذا الخصوص، ولعل أحدثها قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بمعاقبة وتجريم كل مواطن سعودي يشارك في أي أعمال قتال خارج حدود المملكة، مهما كانت المبررات والذرائع والأسباب. إضافة إلى اعتبار الرياض لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب الله داخل المملكة، وجماعة الحوثيين، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وجبهة النصرة، وقبل كل هؤلاء تنظيم "القاعدة" كتنظيمات إرهابية، وهي القرارات التي وجدت إشادة واسعة في جميع أنحاء العالم، وسمع بها كل متابع للشأن السياسي، إلا رئيس وزراء العراق نوري المالكي، الذي انطبق عليه قول الشاعر (ومن يكن ذا فم مرٍ مريض يجد مراً به الماء الزلال). تصريحات المالكي أثارت حيرة المحللين السياسيين الذين استضافتهم "الوطن"، ليس لعمقها أو غورها - بطبيعة الحال – وإنما بسبب غرابتها ومجانبتها للواقع وقرائن الأحوال. إلا أنهم اتفقوا جميعاً على أنها محاولة فاشلة لصرف الأنظار عن إخفاقاته السياسية المتكررة وتدهور الأحوال الأمنية في بلاده، إضافة إلى رغبته في إرضاء الحليف الإيراني، الذي بات يتحكم في مفاصل السياسة العراقية، وكأن بغداد ما عادت سوى ولاية إيرانية تابعة لطهران. سخرية الآخرين بداية يرد رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي على اتهامات المالكي للسعودية باستنكار هذا الهجوم، ورفض تلك الاتهامات، متسائلاً في مؤتمر لائتلاف القائمة الوطنية العراقية باستنكار "كيف للمالكي أن يتهم الدول العربية والسعودية بدعم الإرهاب، دون أن يقدم دليلاً على اتهاماته". مشيراً إلى أن المملكة وقفت وقفة جريئة وحازمة في وجه الجماعات الإرهابية، مشيداً بدورها العالمي في مكافحة الإرهاب، وأضاف "المالكي مغيب عن هذه الأخبار، ويبدو أنه لا يدرك أن الرياض اتخذت قرارات حازمة وحاسمة بتصنيفها لتنظيمات مثل القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وجبهة النصرة وغيرها على أنها جماعات إرهابية". وأضاف "السعودية طالبت جميع مواطنيها المنتمين للتنظيمات المسلحة بالعودة إلى بلادهم". معداً أن القرار الملكي السعودي حول محاربة الإرهاب قرار جريء وقوي، مطالباً في الوقت نفسه المالكي بالتوقف عن ترديد هذه الاتهامات التي تجلب عليه سخرية الآخرين - حسب وصفه -. "فرسنة" العراق وبدورها عدت عضو مجلس النواب العراقي عن القائمة العراقية ميسون الدملوجي في تصريحات صحفية، أن هجوم رئيس الوزراء العراقي المتكرر عبر وسائل الإعلام على المملكة العربية السعودية وبقية الدول العربية "جزء من مخطط إيراني يهدف لإبعاد العراق عن محيطه العربي وربطه بطهران"، وقالت: "كنا نود من رئيس الوزراء أن يتوقف عن ترديد هذه الاتهامات التي لا يقبلها عقل ولا يسندها دليل، وأن يلتفت لتحسين أوضاع بلاده الداخلية، والتصدي في ذات الوقت للتدخل الإيراني السافر في الأوضاع الأمنية، وسلب طهران لثروات العراق الاقتصادية والمائية، بل إن المالكي يتردد في مجرد انتقاد إيران التي باتت تعد العراق دولة تابعة لها. بدلاً عن ذلك كله يوجه المالكي اتهاماته لدول الجوار وعلى رأسها المملكة التي تبذل جهوداً جبارة للقضاء على الإرهاب في المنطقة". فشل غير مسبوق من جانبه، يؤكد المحلل السياسي السوداني محمد الحسن صالح الأمين، أن رئيس الوزراء العراقي يبحث عن "مشجب لتعليق اتهاماته، ولم يجد غير المملكة العربية السعودية، لإدراكه أن توجيه الاتهامات الباطلة للمملكة سوف يثير ردود أفعال واسعة، لما تتمتع به من ثقل واحترام وسط كافة دول العالم، لا سيما الدول الإسلامية. ويقول: "المالكي زعيم فاشل بصورة لم يسبقه عليها أحد من رؤساء العراق السابقين، فالرجل بداية رهن مستقبل بلاده بتوجهات طهران، وجعل من العراق – بكل تاريخه وحضارته وإمكاناته – مجرد تابع يدور في فلك إيران، دون مراعاة لتاريخه الإسلامي الكبير وكونه أحد مصادر الثقافة والإشعاع الحضاري في العالم على مدار التاريخ البشري. وكل ذلك لم يشفع له لدى حكامه الذين غلبوا مصالحهم الضيقة على مصالح أمتهم وشعوبهم التي ائتمنتهم على مصالحها وحقوقها ومستقبلها. ولم يدرك أنه في زمن غلبت فيه مصلحة الشعوب ومستقبلها على أي اعتبارات أخرى". ويفند الأمين ادعاءات المالكي ضد المملكة العربية السعودية ودمغها بدعم المتمردين في بلاده، مشيراً إلى أن مكانة المملكة كدولة رائدة وقائدة في العالم أجمع، لا سيما في محيطها العربي والإسلامي أكبر من أن تتأثر بما وصفه ب"هرطقات" المالكي، ويقول: "العالم كله يدرك ويعي أن حكام المملكة يقفون ضد الإرهاب ويرفضونه مهما كانت الجهة التي تتبناه، ومهما كانت مبرراته وذرائعه، وقد سبقت الرياض كافة عواصم دول المنطقة في التصدي لهذه الآفة التي ابتلي بها كثير من البلدان، وقامت بجهود جبارة لوأدها والتخلص منها، وسنت في سبيل ذلك القوانين الصارمة التي تجرِّم وتعاقب كل من يسهمون في بقائها، وما قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الأخير بمعاقبة كل سعودي يشارك في أي قتال خارج حدود المملكة، مهما كانت المبررات، إلا انعكاس صادق لوعي حكام المملكة وقوة بصيرتهم، وتصميمهم على هزيمة الإرهاب والإرهابيين. لكن المالكي يبدو أنه غير ملم بما يجري خارج حدود بلاده، وإلا لما كان قد ردد تلك المزاعم الساذجة". تكرار الأكاذيب بدوره، يؤكد رئيس حزب "النور" المصري الدكتور يونس مخيون، أن المالكي يعضد الروح العدوانية الإيرانية ضد دول الخليج العربي عامة والمملكة العربية السعودية خاصةً، ويفتح جبهة جديدة يحاول بها زيادة مساحة الضغط الإيراني بعد جبهات سورية والبحرين واليمن. مشيراً إلى أن ما يردده المالكي من أكاذيب هو محاولة لدعم السياسة الإيرانية في المنطقة، قائلاً: "في الحقيقة أنه ومنذ نكبة الغزو الأميركي للعراق لم يعد هذا البلد الشقيق العزيز على قلوبنا جميعاً، مستقل الإرادة السياسية، وللأسف الشديد تعاقب عليه حكام لا ينظرون إلى مصلحة شعبهم قدر ما ينظرون إلى تنفيذ السياسة الإيرانية العدوانية في المنطقة". وأبدى مخيون استغرابه من اتهام المملكة تحديداً بهذه التهم الكاذبة التي هي أبعد ما تكون عنها، ولا يتصورها عاقل - حسب تعبيره -، ويضيف "المملكة العربية السعودية التي اكتوت من الإرهاب الأسود، لا يمكن أن تستخدم السلاح نفسه ضد أشقائها العراقيين أو العرب أو كائن من كان، وهذا كلام لا يمكن أن يدخل في قلب من لديه ذرة من الوعي أو مقدار قليل من متابعة ما يجري في العالم. لكن الإرهاب الحقيقي هو ما يقوم به المالكي ضد شعبه في العراق، والإرهاب الحقيقي هو ما يقوم به بشار ضد شعبه، هو إرهاب حزب الله الشيعي المدعوم علنا من إيران، وإرهاب داعش والقاعدة المحارب من المملكة السعودية، فأي الفريقين أولى بالتهمة؟". مكانة المملكة وفي ذات السياق، يشير المرشح الرئاسي المصري السابق أبو العز الحريري، إلى أن العراق طوال فترة إدارة المالكي لشؤونه، لم يعد دولة ذات سيادة لها قرارها المستقل، بقدر ما باتت أداة في يد إيران، وقال: "للأسف فإن رئيس الوزراء العراقي لم يجد ما يدعم به شعبه ويسعى لتحقيق تطلعاته، سوى تأجيج الصراع بين السنة والشيعة في العراق، وهذا هو ما دفعه إلى أن يتطاول على أشقائه العرب خاصة المملكة ليتهمها بدعم الإرهاب. مع أن المملكة أعلنت علانية قبل أيام باعتبار جماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة وحزب الله والحوثيين بأنها جماعات إرهابية، بل واتخذت خطوات حازمة حيال هذا الشأن، فكيف لها أن تدعم الإرهاب الذي يزعمه المالكي، مطالباً بضرورة إعادة حساباته مرة أخرى خاصة أنه في طريق إلى الهاوية بل ويأخذ معه شعبه إلى هذا المصير". وأضاف "الموقف الذي اتخذه رئيس وزراء العراق ليس وليد اليوم، بل له جذور، فمنذ أن غزت أميركا العراق وتمكن الشيعة من إدارة شؤون البلاد، أصبحوا ظهيراً لإيران في المنطقة العربية، وسعوا إلى إشعال الصراع الشيعي السني، وهو ما سعى إليه الغرب وأميركا تحديداً، هي أجندة ينفذها نوري المالكي حالياً، ومن ثم غير مستغرب أن يتهم المملكة بهذه التهمة، فلم يعد أمام المالكي إلا أن يختلق خصوماً وأعداء وهميين لتبرير فشله الذريع والمستمر في العراق". تبرير الفشل وعلى ذات النسق، يسير الباحث في الشؤون السياسية عمار علي حسن، موضحاً أن رئيس الوزراء العراقي لم يعد لديه ما يبرر به فشله في إدارة شؤون بلاده طوال هذه الفترة سوى رمي الاتهامات جزافاً بحق الأبرياء، ويقول: "المالكي يتخبط بهذه التصريحات ويكاد يهرول نحو الهاوية، فهو من ناحية عجز عن تلبية متطلبات شعبه وتحقيق أحلام العراقيين، لانشغاله بمصالحه الشخصية وتنفيذ الأوامر الإيرانية، لذلك لم يجد غير إطلاق التصريحات الغريبة في وقت غريب، بإلقاء تهم أثارت حتى غضب المسؤولين العراقيين الذين يعملون تحت إمرته، وهذه ليست المرة الأولى التي يبحث فيها المالكي عن مبررات واهية لفشله الكبير، بل تكاد تكون تلك سمة مميزة لسياساته طيلة فترة توليه الحكم، وتعمد خلال الفترة الأخيرة مهاجمة الدول المحيطة به تارة، وتوجيه الاتهامات لخصومه الداخليين تارة أخرى كلما تزايد فشل حكومته، مع أن هذا الأسلوب الرامي لصرف أنظار البسطاء عن أزماته الداخلية لم يعد يخدع أحداً في هذا الوقت. ولم تعد الشعوب تنساق وراء تلك الحيل الساذجة التي عفا عليها الزمن". ويختم بقوله "على المالكي إن أراد أن يحل مشكلات شعبه ويتخلص من الفشل الذي ظل يلازمه كظله أن يلتفت لمطالب العراقيين، وأن يجتهد لتحسين الوضع الأمني والقضاء على بؤر الإرهاب المنتشرة داخل بلاده، وأن يوقف دعمه الشخصي للفيالق المسلحة الخارجة عن إمرة الجيش العراقي، مثل فيلق بدر وعصائب أهل الحق، وأن يحسن من علاقات بلاده مع محيطها العربي، وأن يتوقف عن الدوران في فلك إيران، فالعراق دولة ذات سيادة ولها تاريخ مشرف وحضارة موغلة في القدم وليس جديراً بها أن تدور في فلك دولة أخرى، مهما كانت". ترهات وأباطيل أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزقازيق الدكتور محمد الغرباوي، فيؤكد أن اتهامات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للمملكة العربية السعودية ليست سوى محاولة فاشلة لتبرير إخفاقاته المتكررة، ويقول: "هذا الهراء لا يستحق الرد، ولا أعتقد أن هناك عاقلاً سيجهد نفسه في تحليلها أو الرد عليها، والمملكة أكبر من هذه الترهات، فكلنا يعلم مقدار الجهود التي تبذلها لمكافحة الإرهاب، والقوانين التي سنتها لمعاقبة كل مواطن يثبت تورطه في الانتماء لتلك الجماعات الإرهابية، أو مجرد دعمها بأي شكل من أشكال الدعم. لكن المالكي الذي أدمن الفشل، ورفض أن يفارق محطة الإحباط والعجز لم يجد سوى المملكة ليوجه إليها اتهاماته المضحكة التي أثارت سخط العراقيين أنفسهم عليه، قبل أن تثير سخرية المسلمين في بقية دول العالم".