كانت عينا الطفلة السعودية "ريماس" مليئتين بكل أسئلة الدنيا عن والدها الغائب.. عن وطنها.. عن حالها وحال عائلتها، وهي تشكو "بأي ذنب أشرّد؟"، فيما يشاركها كل تلك الأسئلة شقيقها الصغير "بسام". أما الشاب "عبدالله" فيحمل بيده "جواز سفره السعودي" وفي قلبه حنق ولعنة على من تسبب في تدمير حياته ومستقبله، ليبقى مشتتاً لا يعلم إلى أين المصير. ريماس، وبسام، وعبدالله.. مفردات من 26 عائلة سعودية لاجئة في الأردن، تكشفت قضاياهم بعد أن اشتعل جحيم سورية، مسفرة عن مآس مازالت قائمة بانتظار الفرج. لاجئون بأمر "الأب" تتحدث جدة "ريماس 3 أعوام" و"بسام 5 أعوام" عن قصتهم إلى "الوطن" قائلة "تزوجت ابنتي من رجل سعودي منذ 10 سنوات، زواجا نظاميا وبموافقة رسمية، وكتب تعهدا في السفارة السعودية بدمشق بعلاجها من الخرس الذي تعاني منه، ثم أخذ زوجته وسافر بها إلى السعودية، قبل أن تعود بطفلين بعد المشاكل الأسرية التي حدثت بينهما، أصبح يأتي أحياناً ويغيب كثيراً، وبدأ في التخلي عن أبنائه وأمهم، وفجأة ظهر محام ومعه ورقة طلاق ومؤخر المهر". وتضيف، أن والدهم رفض أخذ أطفاله متحججاً بعدم قدرته المادية وعدم وجود منزل لديه، لافتة إلى أن النظام السوري قصف منزلهم وهربوا إلى لبنان، وكان الطفل بسام مصابا بعينه، وهناك استقبلتهم السفارة ومنحتهم تصريحا لدخول السعودية. تقول الجدة "في السعودية توجهت مباشرة إلى مستشفى خاص لعلاج الطفل بسام، واتصلت بوالده وأتى - وهنا توقفت عن الحديث وغلبها البكاء قبل أن تواصل حديثها - قلت له أرجوك الطفل عينه تنزف دماً، فقال لا تهتمي سأقوم باللازم وأجهز لكم بيتا مناسبا وهؤلاء دمي ولحمي، وانتقلنا إلى القصيم حيث مكثنا عدة أيام" مبينة أنها طلبت أن يأخذ أبناءه لتتمكن هي من العودة لزوجها وأبنائها في سورية، وغادرت القصيم إلى الرياض، وهناك اتصل بها أحفادها يبكون ويطلبون الذهاب معها. تقول الجدة "أخذتهم معي بعد أن تعذر الأب مجدداً بعدم قدرته على الإنفاق عليهم، وطلب مني أن أغادر إلى الأردن على أن يقوم باستئجار منزل لنا، وللأسف لم يقف معنا هنا إلا السفارة السعودية التي تدفع لنا مساعدة شهرية إضافة إلى أجرة المنزل بعد تخلي الأب عن أسرته"، مشيرة إلى أن المساعدة انقطعت لمدة 6 أشهر، وحالياً يتم صرفها. بانتظار "الموافقة" في شقة صغيرة، من نفس المبنى الذي توجد فيه عدة عائلات سعودية، كان الشاب "عبدالله" الذي يبلغ من العمر نحو 18 عاماً يقيم مع والدته وجدته. كان الأسى الذي يرتسم على وجهه مؤشراً على زهده في الحياة، بل حتى في الحديث عن القضية التي لا يفهم حيثياتها حتى الآن. تحدثت والدة عبدالله عن زواجها الذي كان عام 1995، فقالت "أتى إلى بلدتنا في درعا وخطبني وكانت معه موافقة رسمية وتزوجته وانتقلنا إلى السعودية، وبعد 11 شهرا غادرت إلى سورية إثر مشاكل أسرية، وعدم اهتمام الأب بي وبابنه المولود، وبدأت العمل لكي أتمكن من الإنفاق على ابني وتربيته حيث كان والده لا يرسل أي مصاريف له ولا يزورنا". بدأ عبدالله الحديث، وقال "والدي موجود في السعودية، ولا يجيب على اتصالاتي، وأحياناً يقطع الخط في وجهي"، مبيناً أنهم وصلوا إلى الأردن مع موجة النزوح في 16 سبتمبر 2012، وكانت السفارة تصرف لهم مرتبا شهريا، وفي 5 فبراير 2013 وصل والده من السعودية إلا أنه غادر سريعاً، وقال "كانت السفارة تصرف لنا راتبا شهريا، وبعد وصول أبي وذهابه إلى السفارة انقطع الراتب وغاب أبي، وحين اتصلت به أول مرة قال لي أنت لست ابني ولا أريد أن أتعرف عليك". يقول عبدالله حاولت تجديد جواز سفري، ورفعت طلبات بالعودة إلى السعودية، إلا أن كل تلك المعاملات لم يرد عليها، وأضاف "حين سألت السفارة عن سبب رفض تجديد جوازي قالوا لي لا بد من موافقة الأب، وحين سألتهم عن راتبنا الذي انقطع قالوا والدكم يتكفل بكم، وبعد محاولات متعددة للاتصال بأبي قال لي السفارة تتصرف وأنا غير مسؤول عنك". حالياً، تعيش الأسرة على مساعدة تبلغ 250 دينارا "ما يعادل نحو 1250 ريالا"، تأتيهم من شؤون السعوديين بالسفارة، فيما يستغرب عبدالله ربط مصيره بوالده الذي تخلى عنهم ولم يعد يعترف بهم، مطالباً بتجديد جواز سفره، والسماح له باصطحاب عائلته إلى أرض الوطن. سياحة "الجوع" في منزل آخر، كانت هناك عائلة "الكويكبي" المكونة من نحو 17 شخصاً، تحمل بعض الأوراق والصكوك التي تبين زواج الأم من أب سعودي، إضافة إلى صور "تابعية" قديمة للأب، وشهادات ميلاد سورية تحتوي على خانة بجنسية الأب "سعودي". تحدث الابن وقال "مشكلتنا أن والدي لديه تابعية قديمة قبل صدور الرقم الوطني، وبعد أحداث سورية اضطررنا للمغادرة إلى لبنان، وهناك تم حجز جوازات السفر التي معنا، ومنحونا تذكرة عبور". لافتا إلى أنهم تحدثوا عن معاناتهم لعدة وسائل إعلامية ولكن دون جدوى، مشيراً إلى أن مطالباتهم بالجنسية منذ أكثر من 20 عاما لم تنته حتى الآن. وأكدت العائلة أن الحملة السعودية لنصرة السوريين مازالت واقفة معهم، وهي التي توفر لهم الطعام وأجرة المنزل، فيما يقول الابن الأكبر "السلطات الأردنية تعاملنا كسعوديين وتعتبرنا سياحا، ولذلك لا تسمح لنا بالعمل لكي نستطيع توفير مصاريفنا والعيش بكرامة"، مشيراً إلى أن السفارة السعودية منحتهم رواتب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من وصولهم إلى الأردن إلا أنها قطعتها بعد ذلك. "السفارة" توضح "الوطن" تواصلت مع السفارة السعودية في الأردن، حيث أوضح قسم الشؤون الإعلامية أنه "منذ بداية الأحداث في سورية وبناء على توجيهات خادم الحرمين الرشفين وولي عهده الأمين، وتنفيذا لتعليمات مقام وزارة الخارجية؛ قامت السفارة بتجنيد كافة إمكاناتها لمساعدة الأسر السعودية القادمة من سورية، وتقديم الخدمات اللازمة لهم، وتأمين وصولهم إلى الأردن بالتنسيق مع مندوبها في سورية، ثم قامت بتسهيل إجراءات مغادرتهم الأردن ومنحهم تذاكر مرور والتأشيرات اللازمة لزوجاتهم ومتابعتهم حتى دولتهم السعودية". وأضافت أن السفارة قامت بتأمين كل ما تحتاجه الأسر السعودية من سكن وعلاج ومواد غذائية منذ وصولهم إلى الأردن، وعند صدور التوجيهات بمنح تأشيرات الدخول لزوجات المواطنين المتزوجين من سورية بدون موافقة نظامية، واللاتي لديهن أطفال سعوديون، تم منحهن تأشيرات الدخول وتسهيل عودتهن إلى المملكة، وعندما تبين وجود أسر لا يمكنها دخول المملكة بسبب وفاة الأب أو عدم معرفة عنوانه أو عدم مراجعته للسفارة لإنهاء إجراءات دخول أسرته؛ تم على الفور حصرهم وتسجيل بياناتهم ومخاطبة وزارة الخارجية بشأنهم، وبالفعل قامت الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية بتأمين سكن لهم ومنحهم رواتب شهرية حتى يتم تصحيح أوضاعهم. وقالت السفارة "ما يخص معاملات التجنيس فإن قسم الجنسية في شؤون السعوديين يتابع جميع الحالات، ويتواصل مع أصحابها بانتظار ما يرد من توجيهات بخصوصهم". "التزوير" والتخلي وأوضحت السفارة أنها قامت بمخاطبة الجهات المختصة بشأن الطفلين "بسام وريماس" ووالدتهم عدة مرات لإلزام والدهم بالإنفاق عليهم أو مراجعة السفارة لإنهاء إجراءات استلام أبنائه، لافتة إلى أن المعلومات المتوفرة لديهم أن المذكور زار أسرته في مكان إقامتهم ثم غادر إلى المملكة دون مراجعة السفارة، مؤكدة أنها قامت بتأمين السكن ومنحهم نفقة شهرية منذ تاريخ وصولهم. وحول قضية المواطن "عبدالله" ووالدته وجدته، قالت السفارة "منذ وصولهم إلى الأردن تم تأمين السكن لهم ومنحهم راتبا شهريا، وتمت مخاطبة الجهات المختصة للبحث عن والده الذي راجع السفارة وغادر الأردن دون أن يقوم بالموافقة على إنهاء الإجراءات الخاصة بتجديد جواز ابنه والتأشير لزوجته". وفيما يخص عائلة "الكويكبي" أكدت السفارة أنها قامت برعايتهم وتقديم العون لهم والإنفاق عليهم أسوة بغيرهم من المواطنين، كما خاطبت الجهات المختصة في المملكة بشأن منح أبنائه، وعددهم 11، تذاكر مرور ومنح زوجته تأشيرة إقامة بجانبه، حتى تلقت السفارة من الجهات المعنية ما يفيد بأن المذكور سبق أن تم ترحيله من المملكة لأن جميع ألأوراق الثبوتية التي يملكها مزورة". وختمت السفارة بتأكيدها على أن قسم شؤون السعوديين هو القسم المسؤول عن متابعة معاملات هذه الحالات، ولديه أقسام داخلية مثل قسم السوريين وقسم الإنفاق على السوريين وقسم جنسية سورية، لافتة إلى أنها تنفق حالياً على 26 أسرة بتأمين كافة متطلباتهم.