كانت تقف حائرة محتضنة أطفالها الثلاثة في صالة انتظار المراجعين داخل مبنى سفارة خادم الحرمين الشريفين في العاصمة الأردنية عمان، تكسو وجهها علامات الحزن والحيرة بعد أن فرت بحياة أطفالها من بطش شبيحة النظام السوري، ولا أمل لها إلا النجاة بحياة أبنائها السعوديين وإدخالهم إلى الأراضي السعودية كملاذ آمن لهم. وفي لحظة كان الأطفال يتضورون فيها من الجوع ويشتكون ذلك لوالدتهم بادر أحد موظفي السفارة بالخروج مسرعاً ليعود بعد قليل ومعه بعض الطعام ليعطيه للأم وأبنائها. وفي تلك الأثناء وبينما كانت عيناي ترقب الأطفال وفرحتهم بالطعام اقتربت مني تطلب الحديث معي بعدما علمت أنني صحفي لنشر معاناتها. وبعد أن أطلعتني على أوراقها الثبوتية وعقد نكاحها بدأت تروي لي قصتها بكلمات حزينة تسبقها الدموع، حيث قالت: أنا سيدة سورية أدعى أم محمد مطلقة منذ 4 سنوات من رجل سعودي يعمل أكاديميا في إحدى الجامعات السعودية. تزوجني وأنا بنت خمسة عشر عاماً من عمري بينما كان هو على مشارف الخمسين ومتزوج من سيدتين إحداهما سعودية والأخرى باكستانية ولديه كثير من الأبناء، واستمر زواجنا قرابة العشر سنوات قضيناها في مشاكل لعدم التفاهم بيننا وبعد أن أنجبت منه ثلاثة أطفال ولدا وبنتين. طلقني وأرسلني إلى أهلي أنا وأطفالي دون أن يسأل عن أطفاله أو ينفق عليهم رغم أنه يعلم أن ابنه محمد يعاني من مرض في القلب ومشاكل في الشرايين. ومع بداية الأحداث في سورية قمت بالاتصال به وأخبرته بسوء الأوضاع لدينا وتخوفي من أن الخطر المحدق قد يطال أبناءه فالرصاص والقنايل لا يفرقان بين صغير أو كبير وأريده أن يستقبل أطفاله ليصبحوا في مأمن. إلا أن جوابه نزل علي كالصاعقة حين قال: لا يعنيني ما أنتم فيه ولا علاقة لي بكم، وطلب مني عدم الاتصال به مرة أخرى وغير رقم جواله ولم يعد لي أي وسيلة اتصال معه. وتابعت: حاولت الاتصال ببعض أقاربه لإقناعه باستقبال أبنائه فأبلغوني برفضه وطلبوا مني عدم إحراجهم مرة أخرى. ومع زيادة الأوضاع سوءا في سورية زاد خوفي على أبنائي ولم أعد أحتمل الخطر الذي أصبح يحيط بنا من جميع الجهات ولم يكن أمامي سوى الفرار بأبنائي من سورية والتوجه بهم إلى الأردن، عسى أن يتيسر لهم اللجوء إلى بلد أبيهم ووصلت الأردن منذ عدة أيام وتكفلت السفارة السعودية بتأمين السكن لي. وقطع حديثنا وصول القائم بأعمال السفارة الوزير المفوض الدكتور حمد الهاجري إلى الصالة. وسألنا الدكتور الهاجري عن وضع أم محمد وأطفالها فأكد أن الأطفال سعوديون ولهم حق العودة للسعودية والسفارة على استعداد لتسهيل مهمة عودتهم إلى الوطن حالاً وأن جميع من في السفارة مجندون لخدمة المواطنين. كما أن السفارة ستغطي جميع تكاليف نفقات علاج ابنها محمد ولها الحق في إدخاله أيا من المستشفيات الأردنية لعلاجه. وأضاف تبقى مسألة دخول الأم للمملكة كونها مطلقة فلابد من موافقة طليقها أو حصولها على تأشيرة زيارة من أحد أقاربها. وهنا التفتت إلي أم محمد لتقول: مادام والدهم يرفض استقبالهم فلمن أتركهم أنا لدي استعداد أن أدخلهم دور الأيتام أو أن ترعاهم الجمعيات الخيرية في السعودية، ولكن فقط أريد أن أكون قريبة منهم. بعدها قررت أم محمد أن تغادر السفارة وهي تؤكد أنه مادام والدهم لا يريد أبناءه فلم يعد أمامها سوى العودة إلى بلدها سورية لنعيش معا أو نموت معا.