ما إن اندلعت ثورات الربيع العربي في عدد من البلدان العربية أواخر 2010 وحتى الآن، وما تعرضت له اقتصادات تلك الدول من أزمات طاحنة، حتى سارعت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لتقديم يد العون والمساعدة اقتصاديا لهذه الدول، وفي مقدمتهم مصر، لتصبح المملكة أولى دول العالم التي بادرت لدعم أشقائها العرب. وقال مسؤولون واقتصاديون تحدثوا إلى "الوطن"، إن المملكة أعلنت التزامها بتقديم معونات مالية لدول الربيع العربي، تبلغ قيمتها نحو 17.9 مليار دولار، توفرها المملكة على شكل قروض ومنح ومساعدات، من أجل مساعدة تلك الدول على استعادة عافيتها اقتصادياً واجتماعياً، لافتين إلى أن موقف المملكة وشعبها الداعم لمصر ولجميع الدول العربية، يأتي من منطلق المسؤولية والروابط التاريخية، ولمصلحة المنطقة العربية بأكملها. ميزة مختلفة وأشار الخبراء إلى أن الاقتصاد السعودي يتميز عن غيره من الاقتصادات العربية، بأنه يتمتع بالقوة والمتانة وبأسواق مستقرة، خاصة أن المملكة تتبع نظام آليات السوق الذي يقوم على العرض والطلب وعلى المنافسة، ولا توجد قيود على عمليات الصرف الأجنبي، كما لا يوجد حظر أو قيود كمية على الواردات من السلع، باستثناء عدد قليل من السلع الممنوع استيرادها لأسباب شرعية، أو تتعلق بالأمن القومي وحماية الصحة العامة للمواطنين، وهو ما جعل الخبراء يصفون الاقتصاد السعودي بأنه "رمانة الميزان" لاستقرار المنطقة العربية. من جهته أكد رئيس منطقة التجارة الخارجية رئيس قسم البحوث بوزارة الصناعة والتجارة المصرية الدكتور حسين عمران ل"الوطن"، أن المملكة تعد أكبر شريك تجاري لمصر ولكل الدول العربية لما لها من ثقل اقتصادي وسياسي كبير في المنطقة العربية بأكملها، مدللاً على ذلك بالأرقام الرسمية، مشيراً إلى أن المملكة دعمت مصر مالياً واقتصادياً على مدار العامين الماضيين، سواء بطريقة مباشرة من خلال المنح والقروض أو بطريقة غير مباشرة من خلال استثمارات نفذها مستثمرون سعوديون في مصر خلال فترة ما بعد ثورة" 25 يناير". دعم كبير وأضاف عمران أن مصر تلقت دعماً مالياً من المملكة بلغت قيمته نحو 1.5 مليار دولار، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية للحصول على قرض من صندوق" النقد الدولي"، وما زالت هناك مماطلة من جانب بعثة الصندوق، لافتاً إلى أن الدعم السعودي ساهم في تقليل عجز الموازنة وحد كثيراً من استمرار تراجع الاحتياطي الأجنبي لدى " البنك المركزي"، إضافة إلى قروض من المملكة لتمويل مشروعات كهربائية وتطوير شبكات الري ومياه الشرب، إضافة إلى تمويل سعودي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، وما زالت هناك دفعة أخرى من المقرر ضخها قريباً. من جانبها أكدت نائب رئيس هيئة الاستثمار المصرية والمناطق الحرة نيفين شكري، ل"الوطن"، أن مساعدات المملكة لمصر لم تقتصر فقط على منح وقروض ومساعدات مالية، وإنما تمثلت أيضاً في ضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية من خلال تأسيس شركات جديدة برؤوس أموال جاوزت ال5.3 مليارات دولار، من خلال تأسيس نحو 305 شركات سعودية جديدة تأسست في مصر بعد ثورة يناير. إلى ذلك أوضح نائب مدير معهد التخطيط القومي المصري الدكتور سمير مصطفى في حديثه ل"الوطن" أن السعودية تتمتع بأسباب عدة تجعلها من أهم وأبرز البلدان الجاذبة للاستثمارات، خاصة في القطاعات الاستراتيجية وهو ما جعل من المملكة أكبر سوق اقتصادي حر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيراً إلى أن السعودية نجحت إلى حد كبير في استغلال كل ما لديها من مقومات وثروات بشكل منقطع النظير، حيث نجحت في استثمار القوى البشرية بشكل لافت للنظر وهو ما كان له فائدة عظيمة للمملكة وظهر في اقتصادها. وأضاف مصطفى أن المملكة تحوز على ما نسبته 25% من إجمالي الناتج القومي العربي، علاوة على أنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم تقدر نسبته بنحو 26%، وتوفر الطاقة للمشاريع الاستثمارية بأقل الأسعار على مستوى جميع دول العالم مما يجعل المملكة الوجهة المثالية للمشاريع التي تعتمد على استهلاك الطاقة. وأشار نائب مدير معهد التخطيط القومي المصري، إلى أن الموقع الجغرافي للمملكة يجعلها منفذاً سهلاً لأسواق أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويتمتع سوقها بقدرة شرائية عالية كما يشهد سوقها المحلي توسعاً مستمراً، وبالتالي فإن الاقتصاد السعودي يعد "رمانة الميزان" بالنسبة لاستقرار المنطقة العربية بأكملها سياسياً واقتصادياً ومالياً. من أكبر الدول من جهتها قالت مديرة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية بجامعة "عين شمس" الدكتورة يمنى الحماقي ل"الوطن" إن السعودية تأتي في المرتبة ال20 ضمن الاقتصادات الخمسة والعشرين الأكبر في العالم، كما أن اقتصادها يعد الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما تحتل المركز 13 ضمن 183 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة أداء الأعمال وتحتل المرتبة السابعة من حيث سهولة دفع الضرائب. وأشارت يمنى الحماقي إلى أن المملكة تعتبر الأولى من حيث تسجيل الملكية، كما أنها من أكبر الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر، وفقاً لتقرير "ممارسة أداء الأعمال" عن العام الماضي 2011، والصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، مشيرة إلى أن كل هذه المؤشرات تؤكد بالضرورة أننا نتحدث عن اقتصاد لا يقل أهمية أو قوة عن اقتصادات أكبر دول العالم تقدماً. إلى ذلك وعلى صعيد العملة السعودية، قال رئيس شعبة الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية محمد الأبيض ل"الوطن"، إن "الريال السعودي" يعد من أكثر العملات في العالم استقراراً وهدوءا، حيث لم يكن هناك تغير كبير في قيمة صرفه خلال الثلاثة عقود الأخيرة، ولا توجد هناك أي قيود مفروضة على الصرف والتحويل بالعملات الأجنبية وتحويل رؤوس الأموال والأرباح للخارج. وأشار إلى أنه وحتى بالنسبة لأداء "الريال السعودي" في سوق الصرافة المصرية فقد كان هو العملة العربية الوحيدة، التي حافظت على استقرارها لفترات طويلة بل وحققت ارتفاعات كبيرة في أحيان أخرى أمام " الجنيه المصري". وأشار الأبيض إلى أن العملة السعودية كانت العملة العربية الوحيدة التي حققت ارتفاعا بلغت نسبته نحو 6.5%، في سوق الصرافة المصرية منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وذلك بعد أن تحول المصريون لاقتنائه والاستثمار فيه إلى جوار"الدولار" الأميركي، إذ لم يعد اعتماد المصريين على الدولار مقتصراً على مواسم العمرة والحج فقط. وفيما يتعلق بمعدلات التضخم في المملكة العربية السعودية، قال الخبير الاقتصادي آدم عبد الحفيظ، إن معدلات التضخم في السعودية منخفضة للغاية مقارنة بالدول العربية الأخرى، مشيراً إلى أن المملكة تسعى إلى توقيع اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول فيما يتعلق بتشجيع وحماية الاستثمار، ومنع الازدواج الضريبي. وأشار عبد الحفيظ إلى أن المملكة من أسرع الدول في النمو الاقتصادي على مستوى العالم، حيث إنه من المتوقع أن يزيد نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 33.500 دولار أميركي بحلول 2020 مقارنة بنحو 20.700 دولار في 2007. ويقول أستاذ التمويل والمنظمات بجامعة القاهرة الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة الأنصاري، إن مصر شقيقة للسعودية، قائلاً:" إن مصر والسعودية يمثلان جناحي الأمة العربية والإسلامية"، مشيراً إلى أنه وانطلاقاً من مكانة البلدين العربية والإسلامية، فإن إقدام المملكة على تقديم حزمة مساعدات لمصر مؤخراً يشجع على تدفق الاستثمارات وتحسين العلاقات المصرية الخليجية، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الاقتصاد المصري ويخرجه من عثرته. وأضاف أن المملكة هي أكبر شريك تجاري عربي لمصر، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 5 مليارات دولار بنهاية 2011، فيما يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر نحو 10 مليارات دولار، وهناك نحو 2355 شركة سعودية تعمل في مصر في القطاعات المختلفة كافة. تعهد مالي ووفقاً لصندوق "النقد الدولي"، فإن المملكة العربية السعودية تعهدت بمساعدات مالية قدرها 17.9 مليار دولار، للدول العربية منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي العام الماضي، بتوفيرها على شكل قروض ومنح ومساعدات منذ بداية العام الماضي إلى غاية الأول من يونيو الماضي. وأوضحت المؤسسة المالية الدولية في تقرير لها، أن "مصر" تلقت 1.5 مليار دولار من السعودية، ونال "الأردن" نحو 1.4 مليار دولار، في حين خصصت إلى كل من "المغرب"و"تونس" نحو 1.25 مليار دولار و750 مليون دولار على التوالي تعهدت السعودية بتقديمها للبلدين. وفي أوائل 2011 وعدت السعودية البحرين وسلطنة عُمان بمساعدات تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار، ضمن تعهدات من باقي الدول الخليجية بقيمة عشرين مليار دولار. وحسب بيانات صندوق" النقد الدولي" فقد دفعت "الرياض" لدعم موازنة السلطة الفلسطينية 280 مليون دولار، ونحو 240 مليون دولار وعدت بها لتمويل مشروعات البنية التحتية في السودان، كما قدمت السعودية 350 مليون دولار إلى "اليمن"، وعدت بها الرياض صنعاء معونات أخرى.