ما إن قدحت شرارة الثورات العربية، حتى انهالت التحليلات والآراء المتباينة حول مستقبل المنطقة عقب رحيل بعض الحكام جراء تدفق الجماهير الغاضبة المطالبة بتنحي أنظمتها نحو الشوارع والميادين العامة. حينها طغت نبرة التفاؤل على معظم الأصوات، ولقد طالعتنا وسائل الإعلام المتعددة بمن اعتبر المرحلة بمثابة بزوغ فجر جديد طال انتظاره، لكن على ما يبدو أن جل تلك الأصوات قد بدأت بالخفوت مع مرور الأيام حتى وإن راهن بعضها على المواقف السابقة، وذلك بعد تجربة الواقع الجديد، الذي شابه شيء من القتامة وعدم الوضوح. لدينا نموذج يعد قديما مقارنة بتاريخ ثورة تونس وما تلاها من أحداث متلاحقة وكبيرة، ألا وهو العراق الذي لم تتحقق لشعبه أيسر متطلبات العيش الكريم، التي في مقدمتها الأمن والعدالة ولقمة العيش. فمنذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003، دخلت البلاد نفق الخلافات والصراعات، فصار المجتمع المحلي أحزابا وفئاتٍ متناحرة، ووجدت الطائفية أرضا خصبة لها، الأمر الذي انعكست آثاره السلبية على جانب التنمية والنهضة بشكل عام. مهما اختلفت طريقة إزاحة رئيس العراق عن عرش القيادة عن باقي الرؤساء العرب، تظل النتيجة واحدة، وهي إسقاط النظام وإقامة نظام جديد، طبعا، ثمة ظروف سياسية ومجتمعية تختلف من قطر لآخر، المهم أن ثقافة الشعوب العربية تعتبر متقاربة، وتعاطيهم مع الديمقراطية والحرية فيه كثير من التشابه، حيث إن كل فصيل سياسي أو ديني يحتكر الحق والصواب لجانبه، وبالتالي يعمل جاهدا لإقصاء غيره، ولا يمكنه تقبله بأي حال من الأحوال. لا جرم أن المراقب لما يحدث بعين ثاقبة ناقدة في تلك الدول التي طالها ما سُمي بالربيع العربي، يكتشف أن الآمال الوردية التي تراءت للشعوب إبان ثورتها لم تعد بنفس المستوى الذي كانت عليه، فقد تعددت السبل وتفرق الناس واحتاروا بين هذا وذاك، ولم تزل مشكلات الفقر والبطالة على حالها إن لم تزدد سوءا. باختصار، ومن وجهة نظر خاصة، ما يبدو لي أن دول العالم العربي لا تزال في طور البحث عن سبل التقدم والتطور التي سلكتها الدول الصناعية المتقدمة قبل عقود، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي التي استطاعت القفز للأمام خلال فترة زمنية وجيزة، محققة الكثير من طموحات شعوبها، المتمثلة بالنهضة التنموية الشاملة.