لن أشكك بثورات ما يسمى الربيع العربي وطبيعة علاقتها بالغرب، أو أخوض في جدل السؤال الحائر: هل ما حدث كان بفعل الشعوب حقاً أم بسبب ما يعرف بفكرة (الفوضى الخلاقة) ؟ وهي الفكرة التي تمثل روح مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى إعادة ترتيب المنطقة العربية، ولكن سأتخذ منحى معينا يتناول مرحلة ما بعد الثورة وقبل استقرار الدولة ! أي فترة (الدولة الثورية)، التي تتسم عادةً بالصراع الحزبي، والانفلات الأمني، والحرب الإعلامية بين القوى السياسية المشاركة في الثورة، وهذا ما بدت ملامحه تتشكل في مشاهد بلدان الثورات العربية، خاصةً مصر وتونس وليبيا، ما يعني أن سكرة الثورات العربية ذهبت وجاءت فَكَرتها ! السكرة كانت الاندفاع الثوري نحو نظام الاستبداد حتى إسقاطه، والفكرة كانت المواجهة بين القوى الثورية والسياسية ذاتها، فقبل أيام تسرب مقطع تلفزيوني عن لقاء جمع راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة (إخوان تونس) بالسلفيين التوانسة، نصحهم خلاله بالصبر والتركيز على العمل الديني والإعلامي بين الناس، لأن العلمانيين يسيطرون على الاقتصاد والإعلام والجيش، ما دفع بمجموعة من نواب المعارضة في البرلمان التونسي إلى الدعوة لحل حزب النهضة الذي يرونه يتآمر على مدنية الدولة، كما أن الرئيس المنصف المرزوقي سبق أن اتهم إسلاميي تونس بأنهم يسعون للسيطرة على كل الدولة، وهو ذات الاتهام الذي أطلقته القوى السياسية المصرية من يسار وليبراليين وناصريين ضد الإخوان المسلمين وسط هدير ثورة 25 يناير، حتى شكلوا حلفاً بحجة حماية الدستور من الأخونة، وخرجوا بمظاهرات يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012م، فكانت النتيجة صدامات عنيفة في ميدان التحرير بينهم وبين مؤيدي الرئيس مرسي. الحال في ليبيا لا يختلف عن تونس ومصر مع فارق الظروف تباين القوى، فالحكومة الجديدة تراوح مكانها، فلا زال هناك رافضون لتشكيلاتها، فلم يستطع مصطفى شاقور الذي تم اختياره رئيساً للوزراء بفارق صوتين عن محمود جبريل أن يشكل حكومة مقنعة، فحل بدل عنه علي زيدان لتشكيل الحكومة، كما أن الثورة الليبية لازالت تعاني إشكالاً حقيقياً بالنسبة للجماعات المسلحة، التي لم تنضو تحت راية الجيش أو الأمن الداخلي، ما يجعل الوضع الليبي معرض للعنف أو الاضطراب في حال انطلاق أية شرارة كما حدث عند مهاجمة السفارة الأميركية على خلفية الفيلم المسيء، خصوصاً أن مرتزقة القذافي لازالت موجودة في جيوب صغيرة هنا وهناك على التراب الليبي. إذا ً تصارع القوى السياسية على تركة الأنظمة السابقة وصل إلى عنق زجاجة الواقع والمواجهة الحقيقية بين الثوار، فبالأمس كان يجمعهم الهمّ الثوري لإسقاط الديكتاتورية، واليوم يفرقهم الهمّ الحزبي لاحتكار الديمقراطية ! لأن كل فريق يرى نفسه الأجدر لحكم الشعب حتى وإن كان خصمه السياسي هو من فاز بالانتخابات ! فالحجة لديه حاضرة والأدلة معه جاهزة على أن هذا الفائز - وإن كان انتخابياً - سوف يحتكر السلطة ! وبالتالي يُبرر لنفسه الخروج عليه! وهذا لا يعني أن الإخوان أنقياء من هذا الصراع على اعتبار أنهم اليوم في موقع الشرعية وغيرهم خارجون عليها ! فربما يمارس الإخوان نفس الدور لو فاز غيرهم بالانتخابات ووصلوا للسلطة !! فالدولة الثورية لازالت هي التي تحكم بلدان الربيع العربي ! ولم تصل بعد للدولة الديمقراطية الفعلية. [email protected] تويتر @moh_alkanaan