"إنني متأكد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان يفضل أن يكون هنا اليوم معنا.. ولكني أؤكد لكم أن قلبه موجود معنا، لأنه وكما تعلمون كان حلما يحلمه الملك"، بهذه الكلمات المؤثرة ابتدر وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل كلمته في الحفل الخطابي الذي رافق تدشين مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في حفل مهيب حضره نحو 800 شخصية دينية وفكرية من جميع دول العالم، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وممثلين عن 21 منظمة دولية. وعبر كلمتين مسجلتين، شارك رئيس النمسا هاين سبيشل وملك إسبانيا خوان كارلوس في حفل تدشين مركز حوار الأديان الذي شهدته العاصمة فيينا. وفي تصريحات أدلى بها على هامش قص الشريط إيذانا بافتتاح مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أكد الفيصل أن الهدف من هذا المركز هو تقريب الناس وحل الأزمات بالطرق السلمية. مناسبة تاريخية وفي كلمته التي ألقاها في الحفل الخطابي، وصف الفيصل مناسبة تدشين المركز ب"التاريخية". ومضى يقول "إن اختيار فيينا مكانا لهذا المركز لم يأت من فراغ أو من قبيل الصدفة إنما جاء لما هو معروف عن هذه المدينة من تاريخ عريق وموقع متميز من تنوع ثقافي وإبداعات فنية وفكرية يجعل منها نقطة تلاقٍ لمختلف النزاعات الفكرية والتوجهات المذهبية". ورأى وزير الخارجية أن توسط فيينا في قلب أوروبا يضفي عليها تميزا حضاريا، ويجعله أكثر ملاءمة لاحتضان مركز يكرس مبدأ الاعتدال والتسامح والوسطية، والذي يشكل جوهر مبادرة خادم الحرمين لنشر الحوار بين أتباع الديانات التي انطلقت من مكة مهد الإسلام. نداء المحبة وأضاف الأمير سعود الفيصل في كلمته قائلا "إن نداء خادم الحرمين الشريفين والذي توجه به لكل دول العالم وشعوبها بمختلف دياناتها وثقافاتها ومذاهبها.. يعكس مبادرة إنسانية جادة للسلام والتعايش والاحترام والمحبة والتآلف". وأشار الفيصل إلى أن مركز حوار الأديان "ثمرة جهد طويل ومتصل بدأ في مكة مرورا بمدريد ونيويورك وانتهاء بجنيف وفيينا"، وأكد أنه بهذا التدشين تم الانتقال من مرحلة الإعداد والتنظير لمرحلة البدء الفعلي بوضع البرامج وتحديد الخطوات العملية لتحقيق غايات المركز وأهدافه". وعبر وزير الخارجية بالقول "إن ما نأمله ونتطلع إليه أن يجسد المركز انطلاقته التاريخية نحو تشجيع حوار إنساني هادف ومسؤول يستند إلى تعزيز القواسم المشتركة بين أتباع الديانات، وإن المأمول والمطلوب أن يكون باعثا للحوارات المستمرة التي تتناول القضايا التي تشغل المجتمعات الإنسانية والتي كانت سببا في حروب مكلفة وصراعات دامية وجرائم بشعة". وشدد الفيصل على أن غياب الحوار أدى إلى التطرف وموجات العنف والإرهاب بكل أشكاله وأصنافه، ويضاف إلى ذلك أن ضعف الوازع الديني وتدني القيم الروحية أدى لانحسار أخلاقي وتدهور للفضائل مع تفكك عرى الأسرة ودورها في المجتمع الإنساني"، منوها للآثار السلبية التي ضربت المجتمعات نتيجة لكل ذلك القصور من انحدار أخلاقي وانتشار الظلم والفساد وشيوع الجرائم والأزمات الصحية والمشاكل البيئية والأزمات الاقتصادية على نحو غير مسبوق وطريق غير معهود". لم الشمل وتطلع الأمير سعود الفيصل ألا يقتصر دور مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، على إنهاء النزاعات وإقرار روح التفاهم بل يشمل هذا التأثير عودة الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية. وأضاف "إن مبادرة الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان تركز على مبادئ دينية وثقافية ومن حسن الطالع أن وجدت هذه الفكرة صداها في العالم"، وقال "إن القائمين على هذا المركز يعتبرونه بمثابة منتدى عالمي يشارك به ممثلون من جميع الأديان والمذاهب الرئيسية في العالم وهو الأمر الذي يتيح له التعاون مع منظمات الحوار الأخرى على اعتبارها هدفا رئيسيا"، وهو ما من شأنه أن "يعزز العدالة ويعزز روح التسامح والتفاهم واحترام الآخر بما يمنع من الإساءة للرموز الدينية والعبث بمؤسسات دور العبادة". وأهاب سعود الفيصل بأن يطلع مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان بدوره في مساعدة الشعوب للنظر إلى المستقبل بتفاؤل في ظل شعور عميق وطاغٍ ينتابها اليوم من تشاؤم وانعدام الأمن. مرحلة جديدة وأضاف "ولا بد لي هنا وقد وضعنا أقدامنا على أعتاب مرحلة جديدة أن أختتم كلمتي بالتقدم بالشكر الجزيل لحكومة جمهورية النمسا لاحتضانها مقر المركز.. والشكر موصول لإسبانيا على تعاونها الذي ترجم هذه الرؤية النبيلة لأرض الواقع". وامتد شكر الفيصل لجميع من شارك من مسؤولي الفاتيكان والقيادات الدينية والروحية في دعم هذه الرؤية الإنسانية وارتضوا تحمل مسؤولية الانتقال بهذه المبادرة من حيز الفكر إلى مجال الممارسة، مضيفا "وكأني بهم جميعا يتطلعون أن يسهم المركز في بناء منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة تحمي الموروثات والقيم والمصالح المشتركة في عالمنا بمواجهة فيض عارم من تراكم المشكلات والأوضاع الصعبة". الصراع الفلسطيني كلمة أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون، تطرق خلالها ل3 موضوعات رئيسة؛ الأزمة السورية، والحرب الإسرائيلية على غزة، ونشاط المتطرفين في مالي. وأعرب عن أسفه في كلمته للشكل الذي بدأ يأخذ النزاع السوري من بعد طائفي، فيما جدد التزام الأممالمتحدة بضمان وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكد مون على ضرورة إيجاد حل جذري للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يكون أساسه قائما على حل الدولتين بما يضمن إرساء العدالة وإنهاء الاحتلال. وأعرب المسؤول الأول في الأممالمتحدة عن قلق منظمته من تزايد النشاط المتطرف في مالي، وقيام مجموعة متطرفة بمهاجمة آثار وتماثيل ذات طابع ديني، وهو ما يحتم التحرك لحماية المواقع الدينية، على حد تعبيره. وتطلع بان كي مون، أن يسهم مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في تحقيق احترام الكرامة الإنسانية والحقوق والمصالحة والسلام والعدالة، وهي الأمور الجوهرية لكل المجتمعات، محملا القادة الدينيين مسؤولية العمل لإنجاز هذه المبادئ لما لهم من تأثير كبير جدا. وكان رئيس النمسا هاين سبيشل، قد أدلى بكلمة مسجلة في حفل الافتتاح، رحب خلالها بالجميع في بلاده وفي مدينة فيينا تحديدا، مؤكدا أن الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم تعكس الخطر الذي يكمن في عدم التمسك بالحوار كأساس لإنهاء النزاعات. وقال "يجب علينا الآن أن نبحث ونتابع خيارات أخرى ونبني الجسور ونعزز من التفاهم.. فمن خلال الحوار يبنى المستقبل.. والتعايش السلمي والتعددي". حلول جذرية ووصف الرئيس النمساوي مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ب"المهمة" للتعاطي مع الأحداث الحالية الراهنة، وقال "مثل هذا المركز يمكن أن يصبح مكانا لمندوبي الديانات والثقافات لتبادل الآراء والثقافات والحوار البناء". وشدد على أن ما هو مطلوب الآن بعد تدشين المركز "تغير أساسي وجذري" ينقل الجميع إلى تفاهم وإيجاد حلول جذرية للمشاكل"، مشيرا إلى أن المركز سيوفر فرصة للاعتراف بالتعددية كقيمة مضافة للمجتمعات". أما الملك الإسباني خوان كارلوس، فرأى أن مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان فرصة لتوفير الازدهار للمجتمعات. معربا عن استعداد بلاده لدعم هذا المركز لما لها من تاريخ عريق في حوار الأديان حيث قدمت مساهمة لهذه المبادرة التي تمت تحت مظلة الأممالمتحدة، مقدما شكره لخادم الحرمين الشريفين على هذه الرؤية. طاولة الحوار أمين عام مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، فيصل بن معمر، وصف في كلمة له خلال الحفل الخطابي المركز ب"البيت الجديد" الذي سيحتضن الحوار بين الثقافات والأديان. وقال في خطابه "ها هي رحلة جديدة قد بدأت، ومن واجبنا أن نعود بالكل إلى طاولة الحوار من أجل السلام"، فيما لم ينس أن يتقدم بالشكر للنمسا وشعبها على موافقتهم لاحتضان هذا المركز. ورأى ابن معمر أن الشراكة مع وسائل الإعلام "مهمة"، وقال رغم الوقت الوجيز للتحضيرات إلا أنه ولحسن الحظ شاركت 21 منظمة دولية تهتم بالحوار في هذا التجمع، مضيفا "وبإمكاننا أن نتعلم الكثير منهم وتعهدنا أن نعمل معا في المستقبل لإنجاز أهدافنا". وخاطب ابن معمر الحضور بقوله "من حقكم أن تتساءلوا ما هو غرض هذا المركز، وسأجيب بالقول: سيكون مركز قوى للتغيير الإيجابي.. نحن نعمل مع قادة مهمين على الصعيد العالمي ونحتاج لحكمة القادة والزعامات الدينية لأن هذا الأمر الذي يتوقف عليه عملنا.. ليس لدينا أي خيار آخر.. الحروب ليست لها جدوى وعلينا أن نحترم التعايش".