دخلت إيران أمس أتون الثورات الشعبية بشرارة أطلقها هبوط الريال، بينما وسّعت حليفتها سورية اعتداءاتها لتتجاوز الداخل إلى تركيا. فالعقوبات الدولية على طهران بسبب استمرارها في برنامجها النووي، ومساعداتها للنظام السوري، انعكست سلباً على الأوضاع الاقتصادية خاصة على الريال الإيراني، الذي فقد ثلث قيمته خلال أسبوع، فانطلقت بطهران أمس موجة احتجاج قمعتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع والهراوات، بينما ردد المتظاهرون شعارات مناهضة للرئيس محمود نجاد منها: "محمود يا خائن .. لقد دمرت البلد". اشتبكت شرطة مكافحة الشغب الإيرانية أمس مع متظاهرين وتجار عملة في طهران، بسبب انهيار الريال الذي فقد ثلث قيمته مقابل الدولار خلال أسبوع. وقال شهود: إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، فيما قال المسؤول عن أبحاث الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، إن الإجراءات التي طبقتها الحكومة الإيرانية في الأيام الأخيرة لمنع الانهيار الكامل للعملة الوطنية "لن تكون مفيدة في وقف تدهور الريال". و قال وزير الاقتصاد الإيراني شمس الدين حسيني، إن إيران تعمل على تقليص السوق الحرة للريال المتراجع، وإنهاء نشاطها في نهاية المطاف، وذلك في ظل مؤشرات على أن تداولات العملة الأجنبية بدأت تقل خارج مركز أنشأته الحكومة. وأدت العقوبات الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي إلى انخفاض إيراداتها من صادرات النفط، مما قلص الموارد المتاحة للبنك المركزي لدعم العملة. وسارع الإيرانيون إلى شراء العملة الصعبة مما دفع الريال للهبوط. وقال متعاملون في طهران: إن الريال سجل مستوى قياسيا منخفضا عند 37500 ريال للدولار في السوق الحرة الثلاثاء الماضي من نحو 24600 ريال قبل 8 أيام. وقال كلاوسون في تصريح خاص: "دخل الخزينة الإيرانية من العملات الصعبة تراجع إلى حد يحول دون إمكانية تطبيق البنك المركزي الإيراني لسياسة مالية تهدف إلى دعم الريال. لا يمكن دعم العملة الوطنية بإجراءات إدارية. وطالما ظلت صادرات النفط على انخفاضها المضطرد، فإن دخل العملات الصعبة ينخفض بدوره، ويصبح وقف تدهور العملة المحلية أمرا مستحيلا تقريبا". وتوقع كلاوسون "أن تنخفض صادرات النفط الإيراني خلال العام الجاري وفي مجموع ما بيع خلال العام كله بنسبة تتراوح بين 22 إلى 26% عما كانت عليه في العام الماضي. إن رقم الصادرات الإيرانية خلال يوليو الماضي وطبقا لتقديرات أولية تراجع إلى أدنى من ميلون برميل يوميا. والرقم المقابل كان 1,7 مليون برميل يوميا في يونيو من هذا العام أيضا. وفي نفس الوقت فإننا سنرى تأثيرات أعمق لتراجع دخل البلاد من العملات الصعبة لسبب بسيط هو أن التضخم يولد التضخم". وتابع "لا يمكن ربط معدلات التضخم على نحو آلي بأرقام ما يرد إلى الخزينة العامة من إيرادات بالعملات الأجنبية. فالتوقعات حول المستقبل تلعب دورا في تغذية الاتجاه الذي تمضي به نسبة التضخم، كما أن ارتفاع الأسعار في شهر يؤدي إلى ارتفاعها في الشهر التالي، حتى إن زادت صادات البلاد في ذلك الشهر التالي. ولا أعتقد بصراحة أن الحد من القدرة على التحويل إلى العملات الأجنبية بالنسبة لمن يسافرون إلى خارج البلاد بنحو 5 آلاف دولار كحد أقصى يمكن أن يفيد". وشرح أسباب ذلك بقوله "المشكلة هي في تمويل الواردات. الشركات الإيرانية التي تعتمد على استيراد منتجات ضرورية لعملها تكاد تكون متوقفة أو أنها تعمل بكسر من طاقتها الإنتاجية. ويعني ذلك أن إيران تتقدم من الوجهة العملية نحو نقطة انهيار اقتصادي حقيقي. ليس بالإمكان منع ذلك بالخطب الحماسية أو بالشعارات. لقد تكاملت السياسة الإيرانية الاقتصادية مع العقوبات الدولية ليجعلا من الموقف الاقتصادي هناك موقفا بالغ الصعوبة بحق". وأضاف "يقول الإيرانيون إنهم لا يريدون صنع قنبلة نووية. ونحن نقول إن هذا أمر طيب. وهم يقولون إنهم يريدون برنامجا نوويا مدنيا لتوليد الطاقة. ونحن نقول إنه أمر طيب أيضا، بل إن المجتمع الدولي مستعد لتقديم مساعدات كبيرة في هذا المجال. وطبقا لما يقوله الإيرانيون أنفسهم فلا يوجد خلاف. إذا ما وصلوا إلى اتفاق مع وكالة الطاقة النووية، فإن الأمر سيحل وسيعود الاقتصاد الإيراني إلى العمل بصورة طبيعية، بدلا من السياسة الحالية التي تضع البلاد بأكملها على حافة الانهيار".