قدم معرض "فوتوغرافيا الدرجة صفر" نموذجا للتفاعل بين التصوير من جهة ومصدري فلسفة الفوتوغرافيا وعلى رأسهم رولان بارت الناقد والمتذوق الأول للفوتوغرافيا، طبقا لانطباعات ضيوف المعرض الذين تحدثوا ل"الوطن" خلال المعرض الذي نظمته لجنة التصوير الضوئي بفرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، مساء أول من أمس، للفنانين "ضياء يوسف ومريم المساوي وخالد المرزوقي وعبدالله مشبب آل منصور". يقترح المعرض في مجمل أعماله النظر إلى حالة الصفر بصفتها كائنا ينمو ويتطور أو يموت ويضمحل، ذلك أن الصفر قادر على أن يقوم بأدوار معينة في أوقات خاصة تمهد لأدوار أخرى، الصفر دائرة العدم سديم كوني يبتلع كل شيء، ويجمع كل شيء كأنما الفراغ الكامل هو الامتلاء الكامل في الصفر، تتساوى احتمالات البناء والهدم، ومن الصفر ينمو كل شيء ويعود كل شيء إلى الموت، في الدرجة صفر يكمن الحياد، حيث يشرق ويغرب، الصفر بعد أزلي وهو أساس الخلق والسر الذي ترتكز عليه الزيادة، وإليه تعود الأعداد لتتنامى وتعظم، لذلك الصفر استمرارية منه يبتدئ كل شيء وفيه ينتهي كل شيء، ويستحيل الاستمرار من دونه. مشرف لجنة التصوير بالجمعية مصلح جميل أوضح إلى "الوطن" أن اللجنة تراهن على اختلاف المعرض عن تجارب سعودية، وقال: يكفينا اختيار مفردة مختلف ككلمة لا تقيم المعرض بل تجعله في خانة قابلة لتأويل معنى الاختلاف، وإن سمحنا لأنفسنا أن نحدد ملامح هذا الاختلاف فهو معرض مختلف عن الساحة الفوتوغرافية المحلية، ومختلف على مستوى نضوج وفرادة وعمق التجارب وأصالتها، ونعتقد أننا في اللجنة نؤسس لمعارض فوتوغرافية نوعية لا تهتم بالكم أو الجوانب التقنية والجمالية للصورة فقط بقدر الاهتمام بالأسئلة الثقافية والفكرية التي تطرحها التجارب المشاركة. المصور خالد المرزوقي قال عن أعماله: إن الذاكرة مخزن للمعرفة والخبرات الإنسانية حين تشكلت اللغة والمفاهيم عبر الصور المتراكمة في داخلها، وهي أساس هذه المجموعات الفوتوغرافية حسب تقسيماتها المكانية وعلاقتي بفضاءاتها، أحاول البحث عن الشبيه في الواقع الموجود لاحقا لتلك الصور لردم حنين خاص برؤية خاصة لأماكن لا تشبه أصلها، وأناس ولحظات ليست موجودة في الواقع بل في ذاكرتي، عن طريق عرضها كجزء من مفهوم العمل، حيث تم استخدام عدد من أجهزة "الرائي" كوسائط لعرض كل مجموعة من الصور ذات موضوع مستقل على حدة، من خلال منظار خاص داخل هذه الوسائط يتم توجيهها نحو أي مصدر ضوء ومن ثم التنقل بين شرائح الصور المختلفة. عبدالله مشبب ذكر أنه لطالما ارتبط الإنسان بالأرض وجعل من عناصرها توأما روحيا ملازما له في جميع أحاسيسه، وقد تصبح العلاقة في صخب الحياة الحديثة شبه مبهمة ولا يعترف لها بأبعاد وحدود، وهبتنا الأرض كل جمال ودهشة، ووهبناها جميع ما يتكفل بخيبة أمل كبيرة لها، اخترت في مجمل الأعمال إظهار الإنسان الأرض، وركزت على أن تكون بداية الإنسان الطفل هي المنطلق الحقيقي الذي يمكن أن يعزز ويقوي قوة هذا الارتباط. مريم الساوي قدمت حديث الجدائل حكاية صامتة ومسموعة في آن واحد في مسرح الأنثى، الجديلة التي تختبئ بين طياتها حكايات بين الفضيلة والخطيئة، في طولها هروب بين مسرح الجمال، هي جرس بين أنثى وأنثى، تتواصل حقيقة الأحاديث في سرية متواطئة ومتحاربة حتى في كليشية الوحدة. ضياء يوسف التقطت صورها الوثائقية في مساحة محدودة جدا من مدينة الرياض تكشف متقابلات غريبة يندر اجتماعها بتلك التراتيبية، وعلى بعد طفيف مقبرة بلون واحد، الترابي اللامبالي، في رمزية جنائزية حادة، يقف مهيبا أمام خضرة رقيقة يجتمع إلى بساطتها الناس، مزرعة الخضار الصغيرة هناك أمام المقبرة تحقق الحياة كإنسان يتطور من الداخل يتراكم قلبا فوعيا فحياة، هذه المزرعة في صلبها الشكلي الأخضر ولادة، وفي اجتماع الناس إليها مشترون ومتنزهون للخصب إنها جسد في اتجاه نمو إلى الأعلى، بينما المقبرة جسد في اتجاه النمو إلى الأسفل، حين المقبرة ترسل الرجاء إلى السماء، الإنسان فقط الذي اختار أن يراكم كل هذا هو فقط حالة الصفر القابلة للنقص والقابلة للزيادة، مضيفة أن الكثافة المترسبة في المسافة الضئيلة في جنوبالرياض كصور متعددة التحول والكثافة المعنوية المتطرفة في بيئة واحدة، ربما في مجملها وفي صورتها الكاملة تقف مقابلا ساميا للمدنية الجامدة في بقية المدن، تجليا للتضاد، وتجليا للتراكم، الطموح للمدينة.