أبدى تشكيليون سعوديون تذمرهم من التجاهل الذي يواجهونه فيما يتعلق برسم الجداريات في كل أنحاء المملكة، مستغربين أن يتم تكليف أفراد العمالة الوافدة بهذه الأعمال الفنية، التي تمس جماليات المناطق، وتعنى بثقافتها وتراثها، مطالبين بأن يمنحوا الفرصة في ذلك. وأوضح الفنان التشكيلي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور علي مرزوق أن للتشكيلي دورا كبيرا حيال تنفيذ هذه الجداريات، يكمن في المساهمة في اختيار المكان المناسب للجدارية، ومن ثم الموضوع المناسب لكل مكان، والاهتمام بالمعالجة وتجهيز الحيطان قبل التنفيذ. وأكد أن من المشاكل التي وقع فيها بعض المنفذين لهذه الأعمال الجدارية، هو عدم التوفيق في اختيار المكان المناسب وخاصة تلك التي تكون على حيطان الأنفاق والتي لا يمكن أن يراها المتلقي بشكل جيد، وتحتاج إلى أعمال تبتعد عن التعقيد والتفاصيل الدقيقة. وقال مرزوق "إن هناك مشاكل تتعرض لها بعض الأعمال الجدارية من تقشر أسطحها أو سقوط حيطانها وغيرها؛ لذا يجب على الفنان أن يحرص قبل الشروع في عمليات الرسم والتلوين أن يهتم بتجهيز الحيطان أكثر من العمل الفني نفسه فلا بد من معالجة الشقوق وإزالة الأوساخ العالقة بالجدار، ومن ثم طلاؤه بمواد خاصة تكفل بقاء الجدارية مدة أطول، وتحول دون تلفها مستقبلا، واختيار الخامات والألوان المناسبة للأعمال الجدارية. وأشار مرزوق إلى أنه من المؤسف أن تسند مهمة تجديد هذه الجداريات إلى عمالة وافدة لا تجيد سوى طلاء الألوان، وهناك من الفنانين من طمس بعض معالم جدارية بموافقة من البلدية ووضع اسمه عليها. واقترح مرزوق أن يكون هناك تعريف للمجتمع بأهمية الأعمال الفنية الجدارية والمجسمات، مما يسهم في رفع الذائقة الفنية ومن ثم احترام العمل الفني ومبدعه، مطالبا بعدم المبالغة في أسعار تنفيذ الأعمال الجدارية من قبل الفنانين التشكيليين حتى لا تلجأ البلديات إلى الاستعانة بعمالة وافدة غير مؤهلة فتشوه أكثر مما تجمل. وتمنى أن تطرح اللوحات الجدارية في مسابقات تشكيلية، ومن ثم يتم اختيار الأفضل، فهناك أعمال جدارية نفذتها مجموعة مختارة من الفنانين دون علم الآخرين بها. من جهته، يرى التشكيلي أحمد الغامدي أن معظم رسوم الجداريات الموجودة في الشوارع والأحياء هي من رسم هواة ونادرا ما تجد عملا فنيا احترافيا، فغالبية الأعمال عشوائية واجتهادات فردية يصل بعضها إلى درجة التلوث البصري، مقترحا أن تقوم كل محافظة بجمع الفنانين وعمل دراسة ميدانية للأحياء والشوارع التي تحتاج إلى أعمال جدارية، وأن تجرى مسابقة فنية يتم من خلالها اختيار أفضل الأعمال لتنفيذها بحيث تتوافق مع خصوصية المدينة وتكون على مستوى فني عال وتنفيذ متقن. وأضاف أن هناك بعض الأعمال نفذت بشكل جيد في الشوارع والأنفاق وغيرها، إلا أن مواضيعها وتنفيذها أقل من المطلوب بكثير. فيما بين التشكيلي محمد شراحيلي أن الجدارية هي لوحة تخاطب جمهورا عاديا يختلف في توجهاته ومستوى ثقافته لذا يجب أن تكون بسيطة وواضحة ويستخدم فيها رموز يسهل فهمها. وأشار إلى أن الجداريات تتمتع بالعديد من المميزات يشترك فيها عدد من الفنانين بأفكارهم، لأنها تعتبر نقلا لتراثنا وتعريفا بحضارتنا وهي رسالة تواصل بين المجتمع والفنان أثناء تنفيذ الجدارية وتعريفهم بالفن وما ينقله الفنان على اللوحة أو الجدار". من جهته، يرى المؤرخ علي مغاوي أن على ألوان الجداريات أن تصطفي من سمرة الأرض مزيجا يبدأ من أعالي ذائقة (القط) الذي أبدعته بيئة طاعنة في ترف الفنون منذ أن احتفلت الحقول و"الأركبة" بفوضى ألوان الزهر ودلال السنبلات، ولكنه أيضا لا يقف على أبواب العصر المتاح لكل المحَدِّثِين الذين اجترحوا في جدارياتنا سمات فنية بينها وبين أحاسيسنا وحشة؛ فلا هي إلى ذائقتنا أقرب، ولا بينها وبين بيئاتنا صلة.. فيؤدي هذا إلى انخفاض في التواصل الحسي بين الفن وأهله ومكانه، على أن ذلك لا ينسحب على الجداريات الدعائية الوظيفية بفنونها وإن أبدعت أصحابها. وقال مغاوي "كل آمال الأمكنة ألا تقترح المقاولات والمشاريع عقوق الجداريات لمهجة المكان وسيرة الإنسان، فتوصد أبواب المدن أمام زرقة الفجر واحمرار المقل".