يحتاج عالمنا المعاصر -بين فترة وأخرى- إلى أزمات تعيده إلى القيم الإنسانية النبيلة، تنبهه إلى ضعفه وانحرافه عن الصواب. ومن أعظم ما أصابه مرض كورونا المعروف ب«كوفيد - 19»، إنه أقل خطورة من أمراض سابقة مثل سارس في الصين عام 2002، وكورنا الشرق الأوسط في الجزيرة العربية عام 2003!، لأن عدد قتلاه أقل منهما بكثير جدا، وتتمثل خطورته عن غيره في سرعة انتشاره، وأنه عابر للقارات. الإنسان العاقل ينظر إلى هذا الوباء العالمي على أنه أزمة وابتلاء وتحدٍّ، ومشكلة لها محاسن ومساوئ، يعالجها ويستفيد منها ويستثمرها لمصلحته. فمن مساوئه، إثارة القلق والخوف والهلع بين الأفراد، وانتشار الإشاعات السلبية. وكذلك زيادة الميزانيات لمكافحته على حساب التنمية، وتعطيل المدارس والجامعات، وتعليق موسمي العمرة والزيارة، مؤقتا. والكساد الاقتصادي والخسائر الاقتصادية في النقل والسفر والسياحة، وغيرها. والعزل الصحي على الأماكن الموبوءة، لحصر انتشاره وتقليل الإصابات. والتجمعات بأنواعها، وإلغاء الفعاليات الاجتماعية والمناسبات الدولية، وغيرها، وإضعاف العلاقات الاجتماعية والحميمية بين الأفراد، وكذلك الاستغلال السياسي والتجاري من الدول المتقدمة ضد دول العالم الثالث في هذه الأزمة. لهذا الوباء محاسن تفوق مساوئه، منها: عودة الإنسان إلى ربّه ولجوئه إليه، ورجوعه إلى ذاته، وأنه قوي بالله ثم بعمله وإرادته، وبغيره، وأنه ضعيف جدا جدا بنفسه، لأنه لم يفرق بين غنيّ وفقير، ولم يفرق بين مسؤول ومتبوع، فقد أصاب وزيرة الصحة البريطانية، ومسؤولين وسياسيين كبارا جدا في إيران، على الرغم من تمتعهم برعاية صحية عالية!، وأن الدول المتقدمة علميا وصحيا وعسكريّا وديمقراطيا، والتي تدّعي حقوق الإنسان، أوهنها فيروس لا يرى بالعين المجردة!. من محاسنه، معرفة أن تقدمنا العلمي والطبي أقل من المطلوب، وأن علينا أن نجتهد أكثر في البحوث العلمية، وزيادة الصرف عليها، وأنه دعوة إلى الاهتمام بالنظافة العامة والخاصة والبيئة، وأن إهمالها من مسببات انتقال المرض. وكذلك الاهتمام بالتوعية الصحية السليمة المنظمة المقننة، للقضاء على الإشاعات عنه. ومن محاسنه التعاون بين الأفراد والجماعات والدول، وتبادل المعلومات والخبرات بينهم، ومساعدة الدول الموبوءة من قِبل منظمة الصحة العالمية خاصة. ومن محاسنه، الاعتراف بالآخر المصاب، مهما كانت حالته الاقتصادية والاجتماعية والدينية والطائفية والقومية والقبلية، بعيدا عن مواقفه السياسية، وأنه لا شماتة في المرض!. ومن محاسنه، أنه رسالة محبة، لأنه لا يفرق بين دين وآخر، فالله محبة، وأحبوا أعداءكم كما جاء في التوراة، وأنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما ورد عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رسالة لنبذ الكراهية والعنف والإرهاب. اللهم احمِ بلادنا وعالمنا من هذا الوباء، واشفِ المرضى، وارحم من مات به، ووفّقْ المسؤولين والكوادر الطبية في خلاصنا منه، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.