ثمة حاجة وضرورة ماسة في كل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بين الفينة والأخرى، إلى القيام بخطوات ومبادرات، تستهدف تعزيز الوحدة الوطنية، وإنهاء المشاكل التي تهدد هذه الوحدة، وتطوير الوقائع والحقائق التي تصون الوحدة من كل المخاطر والتحديات.. والمجتمعات التي لا تلتفت لهذا الأمر، تتراجع فيها حقائق الوحدة، أو تبرز في فضائها بعض النتوءات والقناعات والمواقف التي لا تنسجم ومقتضيات الوحدة.. لهذا فإن حيوية المجتمع لا تبرز إلا من خلال عطاءاته وإضافاته إلى راهنه وحاضره، بما يعزز منجز الوحدة.. والوحدة الوطنية في أي مجتمع عربي وإسلامي، ليست مسألة تافهة أو جزئية، وإنما من أولويات كل المراحل، ومن القضايا التي ينبغي أن تبذل من أجلها كل الجهود والطاقات والإمكانات.. لأن طبيعة التحديات والمشاكل التي تواجه المنطقة اليوم، كلها تحديات تساهم في تمزيق المجتمعات والشعوب وتشظّيها إما لدواع دينية أو مذهبية أو قومية.. لهذا فإن صيانة الوحدة الوطنية من كل المخاطر والتحديات من الأولويات والقضايا التي ينبغي أن تبذل فيها كل الجهود والطاقات وفي سبيل تعزيز الوحدة الوطنية في كل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، في ظل التحولات المتلاحقة التي تجري في المنطقة اليوم، وتهدد وحدة الكثير من الأوطان والمجتمعات، نود التأكيد على الأفكار والنقاط التالية : 1-الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية، ليست بديلا عن الأوطان والانتماء إليها.. والإنسان في أي بيئة اجتماعية وثقافية، هو بحاجة إلى الانتماء إلى دين كما أنه بحاجة إلى الانتماء إلى الوطن، ولا مقايضة بينهما.. ومن يعتقد أن الانتماء إلى أحد هذه الانتماءات، بوصفها بديلا عن الانتماء إلى الدائرة الأخرى، يعيش الوهم والتناقض والالتباس النفسي والاجتماعي.. فدوائر الانتماء الديني والمذهبي والوطني، لا تناقض بينها، وإنما تتكامل مع بعضها البعض.. ومن يعمل على صناعة التناقض بين دوائر الانتماء المذكورة، يضحي باستقرار حياته، ويدخلها في أتون المشاكل التي لا تنتهي.. لهذا فإن المجتمعات بحاجة إلى مبادرات ومشروعات تعزز انتماءها الديني والروحي، كما هي بحاجة إلى مشروعات تعزز انتماءها الوطني.. ويبدو أن الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة بأسرها، تقتضي ضرورة العمل على بناء مشروعات وطنية متكاملة، تستهدف تعميق الانتماء الوطني وفق أصوله السليمة والحضارية، كما تستهدف حماية وحدته الوطنية من كل التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية.. ومن الضروري في هذا السياق القول : إن في القيم الدينية والروحية الكثير من المضامين الإنسانية والأخلاقية، التي تثري حالة الانتماء الوطني.. 2-إن إثراء المضمون المعرفي والإنساني للوحدة الوطنية، يتطلب تطوير مناهج التعليم ووسائل الإعلام والتثقيف العام، بحيث تعطي أولوية لمضمون الوحدة الوطنية، وإزالة أو منع كل نزعات بث الكراهية بين المواطنين لاعتبارات لا كسب للإنسان فيها.. فالوحدة الوطنية ليست لقلقة لسان، أو ادعاء عاطفي مجرد، وإنما هي مجموعة من الحقائق والالتزامات التي ينبغي لجميع المواطنين، أن يلتزموا بها ويحافظوا على مقتضياتها ومتطلباتها.. وعليه فإنه لا يجوز الصمت إزاء كل من يعكر صفو العلاقة بين المواطنين لاعتبارات دينية أو مذهبية أو قومية، لأن كل تفرقة بين المواطنين لهذه الاعتبارات أو غيرها، تضر بالوحدة الوطنية، وتمزق النسيج الاجتماعي.. فالوحدة الوطنية تقتضي حماية التنوع الاجتماعي وفتح المجال له لإثراء الحياة الوطنية.. وكل محاولة لدق إسفين بين حقائق التنوع الاجتماعي، والتعددية الثقافية، تنعكس سلبا على واقع الوحدة الوطنية.. فمن يحمل لواء صيانة الوحدة الوطنية، ينبغي أن يحافظ على حقائق التنوع، ويحمي وقائع التعددية، ويحول دون انعزالها أو انكفائها عن سياقها الوطني العام.. وإن معالجة النعرات الطائفية والقبلية والمناطقية، التي بدأت بالبروز في الفضاء الاجتماعي، أضحت ضرورة وطنية.. لأنه لايمكن أن تتعزز قيم وحقائق الوحدة الوطنية في ظل بروز هذه النزعات المقيتة.. 3-لكي تتعزز قيم الوحدة الوطنية في الفضاء الوطني والاجتماعي، فنحن بحاجة إلى إشاعة وتعميم ثقافة الوحدة الوطنية، المستندة على قيم الحوار والتسامح وصيانة حقوق الإنسان وقبول المختلف رأيا ووجودا وحقوقا.. إن هذه القيم ومتوالياتها وتأثيراتها النفسية والثقافية والاجتماعية، هي التي تعزز قيم الوحدة الوطنية في الفضاء الوطني.. وفي كل التجارب لم تتعزز وحدة وطنية في أي بلد وواقع إنساني بدون هذه القيم.. فهذه القيم هي بوابة تعزيز واقع الوحدة الوطنية، وبدونها لايمكن أن تتعزز قيم الوحدة الوطنية مهما كانت النيات صريحة والرغبات واضحة.. فتعزيز الوحدة الوطنية يقتضي العمل على تعميم هذه القيم والمبادئ في كل أرجاء الوطن، ولدى كل شرائح وفئات المجتمع.. لأن الإنسان المدرك لقيم حقوق الإنسان والصائن لها، هو القادر على حماية وحدته الوطنية، كما أن الإنسان المتشبع بثقافة الحوار والتسامح، هو القادر على تجاوز كل الصعوبات والعقبات من أجل صيانة وحدته والدفاع عن مقتضياتها.. والإنسان الذي يقبل ويؤمن بعمق بحقوق المختلف وضرورة احترامه ماديا ومعنويا، هو الذي يبذل كل الجهود من أجل سد الثغرات وتعزيز أوضاعه الداخلية وصيانتها من كل المخاطر والتحديات نقلا عن الرياض