يخطئ كثير من أصحاب القرار والمسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وكثير من المتحدثين عندما يذكرون الحكومة على أنها الدولة أو الدولة على أنها الحكومة، فتجد أغلبهم يتحدث عن دور الدولة وهو يقصد دور الحكومة أو يتكلم عن دور الحكومة وهو يقصد دور الدولة، وهذا التداخل والازدواج في الفهم والممارسة، أحد أهم أسباب عدم قدرتنا على تقديم الرسالة المسؤولة السليمة لكل منهما. الحكومة أو ما يسمى القطاع الحكومي أو القطاع العام بكل مسؤولياته ومؤسساته يمثل جزءا أو قطاعا من أجزاء الدولة أو قطاعاتها مثله مثل القطاع الخاص والقطاع الأكاديمي والقطاع الإعلامي وقطاع المجتمع المدني، وهو متلق ومنفذ لسياسات وأنظمة الدولة، ويحاسب كما تحاسب بقية القطاعات ويطور مثلها تماما، ولهذا من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن القطاع الحكومي أو العام هو الممثل الوحيد للدولة أو هو المعني بالقيام بمهامها وواجباتها، أو أنه المشرع لأنظمتها وإجراءاتها وقدراتها والوصي عليها، وإذا كان هناك خلل في فهم العلاقة بين الدولة والقطاع الحكومي وتداخلهما بعضهما ببعض، فالسبب هو تداخل المسؤوليات الفردية لبعض القادة وارتباط وتداخل عملهم بين مسؤولياتهم ضمن مسؤولية الدولة ومسؤولياتهم ضمن مسؤولية الحكومة، أو بمعنى أوضح الجمع بين المسؤوليتين، ما يعطي الانطباع بأن الدولة والحكومة جهاز واحد وعملهما واحد، إنما الاختلاف فقط في التسمية على أساس أن الدولة أو الحكومة اسم لجهاز واحد، وهذا هو الخطأ الشنيع المرتكب والمسيء لعمل الدولة والانتقاص من قدرها وهيبتها واحترام أنظمتها على أساس أنها الحكومة، والحكومة لا تؤدي عملها بالشكل المطلوب، بل إن الحكومة في نظر الكثير يشوبها كثير من العيوب وعلى رأسها الفساد والبيروقراطية وضعف جهازها الإداري والفني والمالي وترهل أنظمتها، ولهذا يحاول الهروب منها ومن مؤسساتها وأنظمتها إلى إنشاء الهيئات العامة ذات الإمكانات الإدارية والفنية والمالية الأفضل والأقدر على حسن أداء العمل وإنجازه وتطويره. إن الارتباط الذهني بين الدولة والحكومة في ذهن الأغلبية ارتباط خاطئ أضعف من هيبة الأولى وهي الدولة، وعظم وضخم من مكانة الثانية وهي الحكومة، وجعل محاسبة المسؤولين الحكوميين من المحرمات التي يجب عدم الاقتراب منها، وما زاد الأمر سوءا في هذا الارتباط ارتباط الأجهزة الرقابية بالمؤسسة الحكومية التي يفترض أنها مرتبطة بالدولة ورقيبة على كل الأجهزة الحكومية دون مجاملة لأي منهم مهما كانت أو كان رئيسها، ولهذا فإن التداخل بين أجهزة الدولة والحكومة كان سببا آخر في إضعاف هيبة الدولة وتضخم هيبة الحكومة أو بعض مؤسساتها، ولهذا السبب ستبقى بعض أجهزة الدولة المرتبطة بالحكومة أضعف من القيام بدورها الصحيح القادر على الإصلاح والتطوير ومحاربة كل الظواهر السلبية وعلى رأسها الفساد. إن المرحلة التنموية والإصلاحية الحالية والمستقبلية حتى تحقق أهدافها وتعمل بشكل واضح وصريح وقوي تتطلب بشكل جاد وعاجل فهم العلاقة بين الدولة والحكومة، وفصل التداخل بينهما، وأن تحدد المسؤوليات والصلاحيات والأجهزة والأفراد المرتبطين بها، وأن يؤكد أن هيبة ومسؤولية الدولة شيء كبير ومهم ويتجاوز هيبة ومسؤولية الحكومة وموظفيها، والتأكيد على أن الحكومة ليست المشرعة أو واضعة الأنظمة والسياسات الوطنية والخطط، لكنها منفذة لكل ذلك مثلها مثل بقية قطاعات الدولة الأخرى، ولهذا فإن التكامل بين هيبة الدولة وقوة الحكومة وقدرة القطاع الخاص ودعم ونضج قطاع المجتمع المدني وتعزيز مكانة وكفاءة القطاع الأكاديمي وتعزيز مصداقية الإعلام، هو التوجه الذي يجب التركيز عليه خلال هذه المرحلة والمراحل المقبلة بإذن الله. لقد أكدت الأحداث السياسية والاقتصادية التي عاشها ويعيشها العالم خلال الفترة الحالية والسنوات القليلة الماضية على أهمية تحقيق التوازن التنموي والمسؤولية التنموية بين قطاعات الدولة المختلفة، والأحداث الاقتصادية، أوضحت أن قيام القطاع الخاص بالدور التنموي الرئيس أثر سلبا في دور القطاعات الأخرى، والأحداث السياسية أكدت أن الازدواجية بين القطاعين العام والخاص ثم انفراد القطاع العام بالمسؤولية انعكس سلبا على نتائجها وغياب الدور المتوازن لبقية قطاعات الدولة وأهمها القطاع الإعلامي والأكاديمي والمجتمع المدني، أثر سلبا في تحقيق أهداف التنموية والتوازن التنموي، ودعم القطاعات كافة لمصلحة الدولة وهيبتها واستدامتها وتطوير أنظمتها وإجراءاتها وطرق مراقبة الأداء وتطويره ودعم أهداف الجودة وإحسان العمل واستثمار خير التنمية الذي تعيشه المملكة العربية السعودية اليوم. إن التأكيد على أهمية إيضاح الصورة الكاملة لدور ومسؤولية وصلاحيات الدولة وأجهزتها وفصلها عن دور ومسؤوليات بقية القطاعات الواقعة تحت مظلتها وأهمها القطاع الحكومي وتحديد دوره ومسؤولياته ثم بقية القطاعات المؤسسة لأركان الدولة والعمل على دعمها جميعا للقيام بواجباتها بالشكل الذي يضمن حسن أداء العمل ورفع الأداء وتطوير أدواته ودعم أهداف التنمية والاستثمار وتوطينها على كامل رقعة الوطن، والاهتمام بالمواطن في مكان إقامته، وتعزيز وتفعيل وتحديث الاستراتيجيات الوطنية والخطط الخمسية، وتأكيد أن الدولة بكل أجهزتها هي المعنية بوضع الخطط والاستراتيجيات والأنظمة والتشريعات والمراقبة، ودور الحكومة تنفيذها مع بقية القطاعات الأخرى. ولي عودة لهذا الموضوع مرة أخرى بشيء من التفصيل، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. نقلا عن الاقتصادية