هذا ما يأمرنا به الواقع من التسليم بوجود تنمية في المركز وأخرى في الأطراف، وإن الإحالة إلى عقل التنمية وطريقة سيرها هناك بنفس الفكرة التي تسير عليها في المركز أوجد -قسراً- هذا التباين الذي نروم نقده هنا. إن أعتى مشكلة يواجهها الوطن هي «الإخفاق الإداري» وهي في ظني أكبر بكثير مما يتصدر المشهد الإعلامي من قضايا. سأضرب أمثلة من الواقع يمكنها إيصال الفكرة، وما الصحة هنا إلا نموذج يتكرر في قطاعات أخرى وبذات التكييف. فهذا مختبر مركزي تم اعتماده منذ ثلاث سنوات وحتى كتابة هذه الأحرف لم يتم البدء فيه فيما يعاني المرضى من إشكالية التحويل للرياض لغياب التحاليل المتقدمة أو لانتظارها أشهر لتأتي من مختبرات مركزية أخرى علماً أن نصفها يسير على طريقة خرج ولم يعد. يمكن للحل أن يكون بمشروع شراء الخدمة عبر شراء خدمة المختبرات من القطاع الخاص لتأتي النتائج وعبر الوسائط الإلكترونية في أيام، علماً أنه تم اعتماد شراء الخدمة لمرضى الكلى لكنها بدأت من الوسط في انتظار تعميم التجربة. وهنا صورة أخرى، فمن الملاحظ الضعف الشديد للقطاع الصحي الخاص في مناطق الأطراف، فلماذا لا تتم اعتماد آلية جديدة للفسح لعمل القطاع الخاص في الأطراف، بدلاً من هذه الدكاكين الصغيرة المضرة التي لو تضامنت لربما أنتجت حالة أفضل لكن تضارب المصالح له أثر فيما يبدو!، إن ذلك كفيل بحل بعض إشكالات البيروقراطية وخلق فرص عمل كما أنه يدعم تعجيل التأمين الطبي العادل مستقبلاً حتى لا يتكرر السفر طلباً للعلاج حتى بعد التأمين. إن مراجعة عدد ونوع حالات الإحالة من ملفات الهيئات الطبية كفيل بتحديد الأولويات الواقعية. ما زلنا ننظر للعمل الطبي التطوعي في صورة مستشفى خيري أو جمعية تطوعية، وهذا جميل لكنه قد لا يخدم دوما، فإن العمل التطوعي فكر يسري في شرايين الأداء الصحي يمكنه بصورة ما أن يكون حالة فعالة دائمة، وفي حالة المناطق الطرفية فإن سد ثغرات الخدمة عبر آلية تطوعية وسيلة مضمونة لتخفيف العبء على المواطن المحتاج في زمان ومكان محددين. ويبقى الإنسان العنصر الأهم في هذه المنظومة، فعندما تعلم أن خريجي أول دفعة لكلية الطب في منطقة طرفية لم يتحدث إليهم أحد استقطابا أو تخطيطا، رغم كل هذا الخواء من العنصر البشري السعودي الطبي فيها، فماذا عليك أن تقول أو تفعل؟ لم يكن الإشكال يوماً في النيات الحسنة للخدمة، بل هي دوما في عقل من يجلس على الكرسي، ذلك أننا نشهد في وطننا ورشة تنموية كبرى، وهذا خير لا يمكن إنكاره لكن النجاح يكون في تجييره لصالح المواطن بطريقة صحيحة، وهنا تكون «الإدارة»، وإن شيئا من اللوم يقع على الإدارات التنموية في إمارات المناطق المتوقع منها مراقبة وتفكير خارج الصندوق يقرب كل هذه المسافات.