معاذ الحاج المباركي تتفاوت الهمم والآمال من شخص لآخر تأكيداً لاختلاف الجبلَّة وتنوّع السجايا والبون الشاسع في القدرات والإيمانيات واليقينيات وما أراده الله الكريم من تنوع مراتب ودرجات البشر وتفاضلهم في الدنيا والآخرة .. عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال لرجل: «ماتقول في الصّلاة؟ قال: أتشَهّد ثم أقول اللهم إني أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار، ولا أُحسن دَندَنتكَ ولا دَنْدَنةَ معاذ، قال : «حولها نُدَندن». أخرجه أبو داود. قال في لسان العرب: الدَّندَنةَ أن تسمع من الرجل نَغمةً ولا تفهم ما يقول وقيل الدندنة الكلام الخَفيّ وقال في جامع العلوم والحكم ما نصّه: ولا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في المسألة، وقال في فيض القدير عند قوله: حولها ندندن المراد ما ندندن إلا لأجلها وبالحقيقة لا مباينة بين ما ندعو به وبين دعائك. لقد كانت هممهم عالية وآمالهم كبيرة فهل ما ندندن به اليوم يشبه تلكم الدندنة؟ أم أنّ دندنتنا اختلفت؟! يقول عبدالرحمن الجوزي في صيد الخاطر: ما ابتلي الإنسان قط بأعظم من علو همته، فإن من علت همته يختار المعالي وربما لا يساعد الزمان وقد تضعف الآلة فيبقى في عذاب، وكان أبو مسلم الخراساني في حال شبيبته لا يكاد ينام فقيل له في ذلك فقال: ذهن صاف، وهم بعيد، ونفس تتوق إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج الرعاع قيل : فما الذي يبرد غليلك؟ قال الظفر بالملك، قيل : فاطلبه قال : لا يطلب إلا بالأهوال قيل : فاركب الأهوال قال : العقل مانع قيل: فما تصنع ؟ قال سأجعل من عقلي جهلاً وأحاول به خطراً لا ينال إلاّ بالجهل وأدبر بالعقل ما لا يحفظ إلاّ به فإنّ الخمول أخو العدم، فنظرت إلى حال هذا المسكين فإذا به قد ضيّع أهم المهمات وهو جانب الآخرة وانتصب في طلب الولايات فكم فتك وقتل ؟ حتى نال بعض مراده من لذات الدنيا ثم لم يتنعم في ذلك غير ثماني سنين، ثم اغتيل ونسي تدبير العقل فقُتل ومضى إلى الآخرة على أقبل حال! لقد كان التابعي يغذّ السير مسافة شهر سفراً ليستيقن من سماع حديث عن راويه كالبخاري الذي هو صاحب كتاب من أصح الكتب بعد كتاب الله فما لنا اليوم نتزاحم على بوابات البخاري المشرعة لنتخم المعدة بحبة على الفحم أو شواية أو مضغوط !هل تحوّل الهم لدينا ؟ ولم يعد في إمكاننا أن نتزاحم على مصادر التلقي ونغترف من معين العلم الذي يرفعنا في الآخرة إلى درجات الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا هل مازال بمقدورنا الحرص على أن ندندن كما دندن أسلافنا لنحجز مقعداً في الفردوس الأعلى من الجنة كما كان يدندن سيدنا وحبيبنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وصحابته الكرام دعونا نعود ولانترك لأي دندنةٍ أو نشنشةٍ أن تحيد بنا عن مرافئ الأمان.