ترسخت لدى العديد من المواطنين قناعة بأن طلب العلاج العاجل أو التطبيب الحكيم ليس على قائمة المستشفيات الحكومية ، وظهرت على السطح بوادر أزمة ثقة بين المواطن من جهة ووزارة الصحة من جهة أخرى ، بسبب تأخير المواعيد في العيادات الطبية لأشهر طويلة ، وأبدى 90 % منهم عدم رضاهم عن هذه المواعيد، مؤكدين أن تدهور حالات كثير من المرضى ووفاة حالات أخرى دفعهم للجوء إلى المستشفيات والمستوصفات الطبية الأهلية، كما أعرب بعضهم عن عدم استطاعتهم تكبد عناء فواتير المستشفيات الأهلية. جاء ذلك في الاستطلاع الذي أجرته « الشرق « على مواطنين من جدة، ومكة، والرياض، والدمام، وأبها، وحائل. وتقول جاكلين خياط صاحبة ال ( 25 عاما) التي روت قصة عمتها الأربعينية مع معاناة الانتظار» لم تكن تعاني من أي مرض بل كانت بكامل صحتها ، وفي أحد الأيام بعد انتهائها من صلاة العصر استلقت قليلا فأحست بدوار بسيط وأخذتها لمستشفى الملك فهد قسم الطوارىء فقامت الممرضة بقياس ضغطها ووجدته مرتفعا ، فطلبت منا الانتظار دقائق حتى يأتي الطبيب ، فطال انتظارنا وأصبحت الدقائق ساعات حتى مر على تواجدنا بقسم الطوارىء قرابة الخمس ساعات ولم يكن أحد مهتما بحالة عمتي التي تزداد سوءا بين الحين والآخر إلى أن غُميت فنقلوها إلى الداخل واتضح أنها أُصيبت بنزيف في الدماغ بسبب إهمال ارتفاغ ضغطها الشديد ، وقرر لها الطبيب عملية في اليوم التالي وكشف لنا أن نسبة نجاح العملية 1 % فقط ولايوجد أي حل آخر لوضعها ، فاضطررنا لذلك ، وبعد خضوعها للعملية ظلت في غيبوبة يومين متواصلين لم تفق منها وحين ذهبنا لزيارتها في اليوم الثاني عصرا علمنا أنها توفيت من الساعة الواحدة ظهرا ولم يُبلغنا أحد بذلك» . وتذمرت أم محمد من تأخر مواعيدها حيث إنها تعاني من آلام مستمرة في الظهر منذ بضعة أشهر تسبب فيها تأخر عمليتها مدة ثماني سنوات ، وأوضحت أنها تعاني من خشونة بالركب منذ أعوام وتحتاج إلى عملية لكنها لاتستطيع دفع تكاليفها في المستشفيات الأهلية ففضلت اللجوء إلى مستشفى حكومي لتنهي معاناتها وقالت : « خرجت من معاناة الغلاء لمعاناة الانتظار ، حين قدمت لمكتب المواعيد وشرحت لهم حالتي وأنها لاتحتمل التأخير من وجهة نظر الطبيب المشرف على حالتي في أحد المستشفيات الأهلية وأني أحتاج إلى عملية أجابتني إحدى الموظفات بلهجة صارمة : « ضعي رقم هاتفك وسنخبرك بأقرب موعد» وضعت رقم هاتفي وخرجت وحتى الآن لم يتصل بي أحد رغم مرور الثماني سنوات على انتظاري إلى ان تطورت حالتي وأصبحت أعاني من أوجاع في مفاصل الظهر والحوض ، وأتيت مرة أخرى لأخذ موعد مع استشاري العظام بتاريخ 7/7 / 1432ه ورغم صعوبة حالتي لم أحصل على موعد إلا في تاريخ 30/10/1432ه أي بعدها بقرابة الثلاثة أشهر ونصف ، وبعد مقابلة الطبيب لي في الموعد المذكور طلب مني القيام بأشعة ، وحين ذهبت لعمل موعد آخر مع الطبيب أتفاجأ أن موعدي المقبل في تاريخ 25/2/1433ه » وتنهدت قائلة : « ينتظرونا نموت يعني». وتحدث عبدالرحمن بن عوض عن تجربته بمستشفى العيون بالرياض قائلا :«بعد حصولي على موعد بصعوبة في مستشفى العيون ، استأذنت من عملي وتوجهت للمستشفى وانتظرت لمدة أربع ساعات للدخول على الطبيب ، مما أوقعني في حرج مع رئيسي في العمل وأصبحت أطلب إجازة عندما أراجع المستشفى ». وتشير فاطمة الغامدي ، إلى أنها تراجع أكثر من عيادة في مستشفى الملك فهد بجدة مابين العيون والعظام ، والقلب لوالدتها ، وأوضحت أن جميع مواعيد هذه العيادات تتأخر بمدة لاتقل عن الشهرين إلى السنة في بعض الأحيان. وتضيف الغامدي : «إن من يمتلك الواسطة القوية تتسهل أموره في هذه المستشفيات وذكرت أن تعامل موظفي المواعيد سيء جدا خصوصا النساء وأنها تفضل التعامل مع الرجال على النساء لحسن تعاملهم معها . وقال محمد القرني :« نقلت والدي بالإسعاف إلى أحد المستشفيات الحكومية وبعد أشعة وتحاليل، أفادوني بأن والدي لايعاني من شيء ، وبالفعل عدت به إلى المنزل وبعد ساعات أغمي عليه ، فتوجهت إلى مستشفى خاص وهناك كانت الصاعقة أخبروني أن والدي يعاني من جلطة في الدماغ !! وبسبب ذلك لايزال والدي منذ ثماني سنوات طريح الفراش لا يستطيع الوقوف» . وأكدت أم فيصل أن مواعيدها منتظمة حيث كانت تعاني من جلطة بالدماغ وأجرت عمليه قُبيل تسعة أشهر، ولكن مايُضايقها طول ساعات الانتظار في طوابير الصيدلية لقرابة الثلاث أو الأربع ساعات ، وتفضل لو أن هناك شبابيك خاصة بكبار السن في قسم الصيدلية لأنها وغيرها من كبار السن رجالا ونساء عاجزون عن الانتظار فترات طويلة . وذكر مواطن تحتفظ «الشرق باسمه» (متقاعد من القطاع العسكري) أنه ذهب لمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة وبعد الكشف وأخذ التحاليل تطلبت حالته إجراء عملية استئصال المرارة وطلبوا منه الانتظار حتى يتوفر سرير في أحد الغرف واستمر : « طالبني المستشفى بالانتظار إلى أن يصبح لديهم سرير شاغر وما حدث كان في شهر4 /1432ه وانتظرت طويلا إلى أن أصبحت حالتي تزداد سوءا ولا حياة لمن تنادي ، فذهبت إلى مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز الحكومي وبعد الواسطة أجريت لي العملية في شهر 6/1432ه» مضيفا أن مستشفى القوات المسلحة هاتفوه لإبلاغه بوجود سرير شاغر في نهاية شهر 11/1432 مما جعله يضحك هما كما قال . وأرجع مدير العيادات الخارجية في مستشفى الملك فهد بجدة شرف بن ساعد النفيعي سبب تأخر المواعيد أنه لايوجد تناسب بين الخدمات الصحية وعدد السكان ، وأوضح قائلا : أن زيارة المريض الأولى تعتمد على إمكانيات المستشفى أما الزيارة الثانية وهي ماتُعرف «بالمراجعة» فهي تعتمد على طلب الاستشاري أو الطبيب المختص وتحديده للموعد وأشار إلى أن مايكتبه الطبيب في ورقة موعد مريضة ينفذ بالحرف الواحد دون تدخل من موظفي المواعيد في الاستقبال ، وأضاف أنه في بعض الأوقات يتأخر الموعد بناء على طلب من الطبيب لوجود حالات مزمنة وأهم أن تُقدم ولاتحتمل التأخير لذلك تتأخر بعض الحالات الخفيفة والقادرة على الانتظار ولكن قلة وعي المرضى هو مايسبب تذمرهم . وقال مدير الشؤون الصحية بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور سامي بن محمد باداوود : « إن هذه ليست مشكلة من وجهة نظري طالما أنها تتم وفقا لرأي طبي علما أن الحالات الطارئة يتم التعامل معها فورا بأقسام الطوارىء في المسشفيات» . وأرجع أسباب التأخير إلى أن المواعيد يتم تزويد المريض بها بناء على توجيه من الأطباء المعالجين حسب نوع الحالة وحاجة المريض للمراجعة، واستطرد قائلآ : «أود أن أطمئن الجميع بأن الحلول أصبحت وشيكة وذلك بمجرد البدء في تشغيل المستشفيات والمشروعات الطبية الجديدة وانخراطها في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمواطنين خلال العام القادم إن شاء الله» وأكد باداوود أن وزارة الصحه تحرص كل الحرص على توفير خدمات صحية متميزة وهذا حق مشروع تكفله الدولة للجميع. يذكر أن وزارة الصحة تشرف طبيا على 237 مستشفى تخصصي وعام وطرفي وبلغ إجمالي المراجعين لتلك المستشفيات في جميع مناطق المملكة العام الماضي 58 مليون مراجع منهم 48 مليون لمركز الرعاية الصحية وعشرة ملايين مراجع في المستشفيات العامة . الانتظار الطويل.. هل من حل؟ (تصوير: وعد العايد)