جنت التقاليد على الدين في مواضع عدة، وغلبته في تشكيل عقول الناس وتصرفاتهم حتى حسبوها مع الوقت ديناً، وانبرى مجتهدون إلى ليّ أعناق النصوص والفتاوى لتلائمها. وفي ظل هذه الظروف نمت تعابير وأمثلة شائعة مستوحاة من التقاليد المشوّهة،، ومنها ما جاء في العنوان، وهو تعبيرٌ يُطلق للدلالة على التدليل وسوء التربية الذي استحق عليه المهجوّ هذه العبارة بما أنه لم يشرف على تربيته رجل وإنما فقط «حرمه». وكلمة «حرمه» أحد إفرازات الأفكار المغلوطة تجاه المرأة، فلم يرد في القرآن ولا السنة استخدام هذا اللفظ، وإنما كرّمها الدين بألفاظ مثل امرأة وزوجة ونساء، بينما قيّدها المجتمع بملكية الرجل، فأصبحت من حُرَمِه التي يكون شغله الوحيد حمايتها من الانتهاك. وعودة لتربية المرأة، فإن هذا الهجاء يعدّ من أنبل المديح، لو كان المجتمع واعياً -وهو كذلك لولا متطرّفوه- فكم من قصة نجاحٍ كانت وراءها امرأة، كالشافعي الذي رحلت به أمه فاطمة صغيراً ليطلب العلم، وابن حجر الذي كانت أخته ست الركب معلّمته، وهيلين كيلر التي تفرّغت آن سوليفان لتعليمها فأذهلت بها العالم، وشاكر علي الذي عوّضته ناجية عبداللطيف جميل عن حرمانه الوالدين. وكم سمعت من ناجحٍ يشكر زوجته على تربية أبنائه الذين قصّر معهم بسبب ضغوط عمله. إذن عندما يقول لك أحدهم «تربية حرمة» ابتسم واشكره، لأنه يمدحك، ولكن بطريقة فكره الضيّق.