دائماً ما أحاول أن أقنع نفسي أن ثمة مواضيع أخرى أولى بالنقاش من باسم يوسف، وأنه رغم موهبته الفذة وتأثيره الواسع يظل موضوعاً خارجياً ربما لا يهم القارئ المحلي الذي ينتظر مناقشة قضايا أكثر إلحاحاً وأهمية، لكن التطورات الأخيرة التي حدثت واستدعاء باسم للتحقيق بتهمة إهانة الرئيس والسخرية من الدين جعلتني أحسم أمري لأن الموضوع اكتسب أبعاداً يمكن بسهولة إسقاطها على أي مسرح سياسي مماثل. باسم يوسف طبيب قرر أن يخوض غمار السياسة، لكن عبر قالب كوميدي ساخر بدأ ببرنامج يوتيوب انتقل إلى التليفزيون فيما بعد، بدأ باسم حلقاته الساخرة في حقبة حكم المجلس العسكري، وكان يسلط سهامه الحادة على أداء المجلس وأخطائه وتناقضاته، في تلك الفترة كان باسم «حبيب الشعب» لم يتهمه أحد بالسخف أو التهريج أو الارتزاق إلا «توفيق عكاشة» مالك قناة الفراعين وعدو الإخوان الأكثر شعبية. وعندما تسلم الإخوان زمام الحكم، تحول باسم في نظرهم من حليف الأمس إلى فتى رقيع، سخيف، محرض، عدو للإسلام والمسلمين ترفع ضده القضايا وتقدم فيه البلاغات. بالطبع ليس من الشجاعة أو المروءة أن أطالب بحق باسم يوسف في الحرية والتعبير عن رأيه دون أن أذكر قبله طابوراً طويلاً من الذين حرموا هذا الحق ويحتاجون بشدة للدفاع عنهم وتبني قضيتهم، لذلك سأكتفي بالإشارة إلى بضع نقاط ذات مغزى. باسم يوسف يعيد إحياء شخصية المعارض الساخر والذي يعد أخطر أنواع المعارضين تجاه أي سلطة، لأنه يحول القضية إلى نكتة والنكتة يتداولها الشعب بمختلف طبقاته، النكتة تكسر هيبة السلطة وتزيل حاجز الرهبة والوهم وتنفذ عميقاً إلى الوجدان، وكلما كانت النكتة ذكية وعميقة المغزى كلما كان تأثيرها أقوى وأوسع انتشاراً، باسم هو امتداد لسلالة الساخرين الأذكياء منذ بيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، حتى وإن ارتدى البدلة الأنيقة وظهر عبر الفضائيات. وكأي سلطة تواجه هذا النوع من المعارضة المقلقة لابد من محاولة لقمعها، القمع عادة يكون بالنفي كما مع بيرم، أو بالسجن كما مع نجم والشيخ إمام، أو بمحاولة التضييق والمنع كما يحدث مع باسم ولأنه يستغل رخاوة سلطة الدولة بعد الثورة فكان لابد من استخدام السلاح الذي لا يخيب، لابد من شيطنته وتحويله لعدو للدين والملة، لا يهم إن كان حليف الأمس، لا يهم إن كنا قد أثنينا عليه سابقاً، يكفي أن يعارض سلطتنا ليصبح معارضاً لله والإسلام. بعد الشيطنة تأتي مرحلة الاستدراج، محاولة إخراج الخصم من ملعبه الذي يجيد التحرك فيه إلى ملعب آخر غريب عليه، إخراجه من عالم الفن والإبداع وحشره في زاوية تيار أو حركة أو إلصاقه بحزب، محاولة تصنيفه وتأطيره كعدو حزبي لا كفنان ساخر صاحب رؤية، وهذا الفخ الذي يبدو أن باسم يسير نحوه دون أن يشعر. الفخ الذي جعله يستهلك طاقته الإبداعية في قماشة محدودة الحجم، في تركيز معظم حديثه تجاه شخص الرئيس، في تصرفه كصوت لحركة معارضة لها مطالب أكثر منه كفنان صاحب التقاطات ماكرة. شعبية باسم يوسف تزداد ولاشك، لكن عليه أن يتحقق إن كانت تلك الشعبية تعود لنضج موهبته أو لمواقفه السياسية، وعليه أن يتذكر أن الناس تنسى انتماءات الفنانين والأدباء مع الزمن وتتذكر إبداعاتهم وحدها!