قرار وزارة العمل بزيادة الرسوم ألفين وأربعمائة ريال قرار وطني شجاع ينم عن العقلية النيرة لمتخذ القرار، بعيداً عما يروج له كثيرون ممن لم يتماشَ القرار الوطني مع مصالحهم الضيقة والنظرة القصيرة، دعونا نناقش صلب القرار وعموده الفقري، هكذا قرارات جريئة يضع متخذها مصلحة الوطن العليا نصب عينيه تجعل المنصف والمراقب المحايد لا يملك إلا أن يقول بصوت عالٍ شكراً معالي وزير العمل، طبعاً أتحدث عن هذا القرار فقط فيما يتعلق ب «شكراً» التي أشرت إليها، هكذا قرارات هي من الأسباب التي تعالج المشكلات من جذورها بعيدًا عن المسكنات التي تعودنا عليها من بعض الوزارات الخدمية للمعضلات المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني عموماً ومجال العمل والعمال خصوصاً، وجود ما يزيد على ربع مليون مؤسسة وهمية (من أبو عاملين ثلاثة) ولوحة معلقة على محل أربعة أمتار في أربعة أمتار لا يستخدمه صاحبه كمكتب إلا بضع مرات في السنة وتحديداً حين يريد مراوغة الأنظمة والتعليمات وتجاوز القوانين المنظمة للعمل والعمال، سبب كافٍ لمثل هكذا قرار وعلاج جذري شافٍ لكن آثاره تحتاج لوقت، لنكن صادقين مع أنفسنا، كل أجنبي يفد للمملكة يحصل على فيزا عمل بعقد عمل أو هكذا يفترض، ويفترض أيضاً أنه يفد لمؤسسة يرتبط معها بعقد عمل وبراتب واضح ويفترض أن الوافد حين يوافق على العقد قد قرأه وفهمه وبحاجة له كما أن المؤسسة المشغلة له تحتاج لخدمات هذا العامل، لكن هكذا مؤسسات وهمية وكما تقول الإحصائيات تجاوز عددها ربع مليون منشأة وهمية لا توظف سعوديًا واحدًا وتحمل بين أوراقها أسوأ الأخطار على المجتمع، أمنية واقتصادية ومجتمعية آثارها كالشمس في كبد السماء لاينكرها إلا جاهل أو معاند أو حاقد، تستحق من المجتمع أن يتفهم هكذا قرارات جريئة ويتفاعل معها، وأحياناً يكون العلاج مراً ولكنه علاج شافٍ بإذن الله إذا تمت إعادة تقييمه؛ لأنه ربما يحتاج إلى قرارات مساندة مثل زيادة أخرى أو ضريبة كما يحدث في أنظمة عمالية كثيرة بنسبة واحد بالمائة من راتب الأجنبي للمشاركة في خلق فرص عمل جديدة، ببساطة لا نحتاج لهذه الملايين من العمالة السائبة في الشوارع وهذه القنابل الموقوتة وجيوش المخالفين التي تغلغلت حين نام الحس الوطني لدى وزارة العمل والتساهل من وزارة الداخلية لأسباب كثيرة ومتشعبة أبرزها تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، لن يعجز أصحاب العمل المنظم على دفع 200 ريال كزيادة مستحقة تأخرت الدولة في فرض رسومها للقضاء على ظاهرة التستر التي طمت آثارها السيئة وعمت، لكن تصحيح الخطأ أفضل من الاستمرار فيه، أما العامل الذي يعمل لحسابه بمهن بسيطة فلن يستطيع الاستمرار حتى لو تعاون معه المتستر وسيضطر في أشهر قليلة لتصحيح وضعه والانتماء لسوق العمل الحقيقي أو المغادرة، كانت حكاية البلاغ عن الهروب مسرحية هزلية ظل يمارسها هؤلاء المتسترون سنوات عديدة فحين يأتي الوقت المعلوم ولا يدفع المكفول المعلوم يقوم الكفيل بتقديم بلاغ هروب عن العامل وهو يعرف حتى متى يأكل وينام ويعرف أين المكفول ولكنه الجشع من الكفيل والجرأة على هيبة الدولة وأنظمتها من المكفول والذي يعرف جيداً ما يفعل بل إنه لم يفد للسعودية إلا وهو يعلم بكل تفاصيل المسرحية الهزلية والاتفاق مسبق، يحتج بعضهم أن العمالة ستقل وتختفي ونحن نحتاجها لسوق العمل والرد بسيط نحتاج للعمالة النظامية وبإمكان متخذ القرار إيجاد وسائل كثيرة على شاكلة مكاتب الاستقدام التي ستتحول لشركة بحيث من يحتاج لعامل معين يستطيع الذهاب لهذا المكتب والاتفاق معه على مبلغ معين في الساعة لسباك أو كهربائي أو ما شابه، ثانياً انظر إلى أي شارع من شوارع الرياض ستجد فيه مثلاً عشرين بقالة أو تزيد وعمالة توصيل وطبعاً 80% منهم عمالة مخالفة ستضطر للإغلاق ولن يستمر إلا خمسة أو ستة وهي الاحتياج الفعلي للشارع وربما يتحد بعضهم لعمل سوبرماركت كبير يوظف سعوديين وتكفي هذه الأربعة محلات الكبيرة التي توظف السعودي لأنها ستعطي راتباً شبه مقبول تكفي لاحتياج الشارع، وقس على هذا بقية المحلات التي تزدحم بها شوارعنا وهو ازدحام مصطنع، بقالة بوفية مطعم ستين بوفية متسخة صغيرة لاتكسب أكثر من ألفي ريال وهي كافية للعامل وضارة في اقتصاد الوطن وأمنه في شارع واحد لا يستطيع السعودي ولا يقبل العمل فيها لقلة الراتب نستطيع الاستغناء عنها في أربع بوفيهات كبيرة نظيفة يعمل فيها السعودي براتب معقول وكافية جداً لاحتياجات الشارع وبدراسة بسيطة يستطيع متخذ القرار الإسهام في الضغط بهذا الاتجاه حتى يتم المطلوب، وزير العمل اقبل التحية من منصف محايد.