وخبر مقتل الإمام الهادي – أول أيام النميري – تحمله صحيفة بريطانية شهيرة، وعنوانه يقول (مقتل المهدي).. وفي التعليق تقول الصحيفة: هذا خبر تأخَّر مائة عام، فلو أنَّ خبر مقتل المهدي جاء إلى هنا نهاية القرن الماضي لطربت الملكة ورقصت، و(قلبت الهوبا) وكسرت عظامها الرقيقة. (وقلب الهوبا) في الدارجة السودانية يعني أن يقفز الإنسان في دائرة رئسية كامله، لكنَّ الأمر كان حلقة في هوبا بعد هوبا يقلبها السودان، وتحت عصا مايسترو المخابرات البريطانية. فالحكاية ما يوجزها في السياسة السودانية هو أن الحزب الشيوعي يطرد من البرلمان عام 1965، والحزب الشيوعي يعود منتقماً بانقلاب النميري عام 1969… والمشروع الإسلامي حين يطرده الصادق المهدي بداية الثمانين يعود به الإسلاميون في انقلاب البشير، بعدها مرحلة، لا تخطر بالبال، تصعد إلى السطح. الشيوعيون حين يطردون مرة بعد مرة (عام 1965 يطردون من البرلمان وعام1971 النميري يدمرهم بعنف وانتخابات 1986 تسقطهم بعنف)، بعدها الشيوعيون يشعرون أنَّ الشمال المسلم لن يقبل أبداً بالفكر الشيوعي وهنا الشيوعيون يتَّجِهُونَ لصناعة (جيش غير عربي وغير مسلم لإخضاع السودان كله) وكان هذا هو ما يأتي بقرنق. وأغرب لقاء بين المخابرات الغربية والشرقية يقع .. فأمريكا التي تتبني قرنق، وتبحث عن دعم حقيقي له تجد أنَّ الحزب الشيوعي الذي يريد إخضاع الشمال يصلح جيشاً لقرنق.. ومخابرات أمريكا تجعل قرنق يتغطي بدعوي الشيوعية.. ومنقستو الشيوعي يدعم قرنق من هنا، والقذافي عدو النميري والسودان يدعمه من هناك، بعدها وصورة فتوجرافية في 13 مايو 1982 تصبح تفسيراً، والصورة التي تلتقط في كينيا وتجمع بين وزير الدفاع الإسرائيلي شارون والنميري وخاشوقجي ومشروع الفلاشا ومدير مخابرات إسرائيل تصبح شرحاً لما ياتي بعدها. والحديث ليس عن الشيوعي، وليس عن قرنق، وليس عن السودان، والحديث هذا مقدمة لمشهد المخابرات العالمية.. وكيف تجوس المنطقة منذ أربعين سنة وتكمل ما بدأته المخابرات البريطانية منذ الخمسينيات والمخابرات البريطانية كانت تصنع الشخصيات التي تقود السياسة السودانية، وهي ترفع حنجرة عريضة تهتف للاستقلال. ونقص الحكايات … أو ما يمكن أن نكتبه منها..