قبل انفصال جنوب السودان بعام ندخل مكتب السيد (لام أكول) وزير الخارجية يومئذٍ وعضو الحركة الشعبية، نسأله عن بعض ما يجري.. والرجل يحدثنا باستخفاف، وحين يفاجأ بأننا نعرف الجنوب مثلما نعرف الخرطوم كانت تحيته لنا غريبة.. وزير الخارجية يذهب إلى زاوية المكتب ثم يعود ويقدم لنا (شيكاً) بعدة ملايين من الدولارات على بنك في كينيا.. ونقرأ اسم المستفيد وصاحب الحساب.. ونجده أحد أبرز أعضاء الحركة الشعبية، وأحد أعضاء الحزب الشيوعي، ونعيد النظر في الجهة التي تُصدر الشيك .. كانت جهة مُريبة.. وأبعد ما تكون في ظاهر الأمر عن الحزب الشيوعي، والرجل أكول وضحكته المشهورة يسألنا: كم يساوي هذا الخبر؟ ونقول: يساوي ستة أشهر سجناً.. وبالفعل صحيفة «آخر لحظة» السودانية تنشر الشيك وتلقى المتاعب. كانت الحركة الشعبية قد ذهبت بعيداً في تسلطها على السودان. والحركة يقودها الشيوعي.. والشيوعي ومنذ الثمانينيات يذهب إلى الحلف المعروف خلف القذافي واليمن الجنوبية، والحلف هذا يصنع قرنق، وبعد وفاة قرنق المجموعة هذه التي ترتدي اسم قرنق أولاً لتخفي الاسم الشيوعي، تحيط الآن بسلفاكير، تتربص بسلفاكير من هنا وبالسودان من هناك، وتمنع الوصول إلى كل اتفاق.. واليمن الجنوبية تشهد الآن عودة لنشاط الحزب الشيوعي، وجنوب السودان مثلها، وإريتريا بين هذين تلعب دور القذافي وأموال القذافي من إسرائيل، وفي الشمال مجموعة الفجر الجديد من يقودها الآن هو الحزب الشيوعي.. كل هذا يمضي مثل كل شيء آخر بوجه مغطى، لكن باحثاً يعدّ هذه الأيام رسالة عن (ما لا يُقال في تاريخ السودان)، والرجل يحدث عن أسماء شهيرة جداً كانت هي الأصابع الحقيقية للماسونية والأصابع الحقيقية للمخابرات الأمريكية والمصرية، وأسماء شهيرة جداً الآن هي من كان يجذب المجاديف لزورق إسرائيل في السياسة السودانية منذ أيام عبدالله خليل وحتي اليوم.. أسماء.. وأسماء.. والرجل الذي يجعل خنادق كثيرة بينه وبين سيوف تطلب عنقه لعله يكتب ما يكتب بطريقة وصية تلستوي.. وتلستوي يقول: إنه لا أحد يستطيع أن يقول الحقيقة ما لم يطل من تابوته ثم يقول ما يشاء ثم يغلق التابوت عليه. ويوم يكتب آخرون في بلاد عربية بالأسلوب هذا فإن هجرة واسعة سوف تنطلق.