الطرفة القديمة في السودان تقول إن حزب البعث السوداني يستطيع أن يعقد جمعيته العمومية داخل عربة تاكسي، ومثلها الشيوعي، لكن الشيوعي والبعث هما من يصنعان الحمى في السودان الآن ومنذ نصف قرن. وقائد الانقلاب الأخير في السودان يقول إنه صنع انقلابه هذا ليقطع به الطريق على انقلاب بعثي، و«الإنقاذ» عام 89 التي كانت تخطط لتسلم السلطة في أكتوبر تقفز في الثلاثين من يوليو حتى تقطع الطريق على انقلاب بعثي في الأول من أغسطس. وفي السودان.. النميري الذي قاد انقلاباً عام 70 ليحبط موافقة البرلمان على تطبيق دستور إسلامي، يصبح هو -عام 1983- أول من يعلن ويطبق دستوراً إسلامياً في السودان. والترابي الذي يقود الحركة الإسلامية منذ عام 1965 وحتى قيام «الإنقاذ»، الذي يقود الحرب الجهادية ضد قرنق، يصبح هو من يقود حرباً ضد الدستور الإسلامي عام 2000، ويعقد حلفاً عسكرياً مع قرنق ضد البشير وضد الحكومة الإسلامية. والسودان الذي يحمل أهله آخر راية إسلامية في القرن الماضي تقاتل ضد الإنجليز (علي دينار يستشهد عام 1918)، يضم عالماً غريباً من المتناقضات التي تستخدم الآن ضده. والمخابرات العالمية التي تعمل بعنف لإبعاد السودان عن الإسلام تحفر أساس بنيانها فوق أمواج البحر هذه.. والمخابرات العالمية لا تدير الشيخ الترابي الذي يحالف الجنوب، لكن الشيخ الترابي هو من يصنع خليل إبراهيم قائد تمرد دارفور ضد الحكومة الإسلامية.. ويصبح نموذجاً فذاً لغرابة ما يجري ولما تصنعه المخابرات العالمية. وجورباتشوف يهدم الاتحاد السوفيتي.. بعلم أو بغير علم لا يهم.. لكن الرجل يصبح نموذجاً ضخماً لما تفعله المخابرات هناك.. والترابي هنا.. يقرأ السطر ذاته. والنموذجان هذا وذاك يجعلان حديثنا عن تغلغل المخابرات مفهوماً ونعود إليه. وبعض القراء يجعلنا أمس من كبار ضباط المخابرات في السودان، ونخصص هنا مليون ريال لمن يأتي بأدنى ما يثبت هذا، حتى لو جاء الشاهد من أعضاء مخابرات السودان.