مواقفنا الثقافية تخلقها وجهات نظر متنوعة، ومما ينشئ منظومة الحوار بيننا هي تلك الوجهات التي تعبر إلى حد ما عن رأي تفكيري بين طرفين. فالحوار تفكير تقريبي للخطاب الآخر من أجل الوصول إلى حالة مزيجية يتكئ عليها مبدأ الذهنية الثقافية. هل الحوار قادر على أن يخلق تلك الذهنية؟ إن الجدلية التي يتعارك من أجلها طرفان ينبغي أن تكون وفق سلوك أخلاقي أنموذجي، وبالتالي سيكون هذا الحوار ذهنياً يوافق الطرح التواصلي بينهما، ومتى ما اعترى هذا الحوار شائبة من الشوائب القبلية والإيدلوجية والفئوية فإن تركيبته -أي الحوار- ستفضي إلى المناقشة التي تنصاع للهاجس الفردي، مما يترسب عند أحد الأطراف فكراً أحادياً غير قابل للتداول والممارسة. الحوار بوصفه طريقة مثلى للتعايش المعاصر والهادف قادر على أن يحكم سلوكيات المثقفين، وأن يضبط هويتهم كحاجة ضرورية لتذويب كل المصطلحات غير القيمة التي يلوح بها أعداء الثقافة تجاههم.. ذلك أن الحوار بين مثقف وآخر هو تواصل للرأي الثنائي، الذي ينفتح على آراء أخرى تكاد تكون مصيرية. إن مرجعية الحوار لدى كل فرد تحكمه تمثلات بعيدة من الماضي، والذات الإنسانية جبلت على هذا المفهوم كظاهرة قديمة تتجدد بيننا بصيغ مختلفة، منها ما يتقبل الرأي الآخر ومنها ما يقصي ذلك الرأي، محاولاً تأصيل القبح فيه، وهذا ما لا نتقبله كمثقفين تتطلب منا ذاكرتنا بأن نجعل الحوار لذة تتمنهج حول تعولم النص المتحاور حوله.