يعد قيام جامعة البترول والمعادن في بداية الستينيات من القرن الماضي، التي كُلفت وزارة البترول والمعادن بتأسيسها والإشراف عليها خطوة ريادية في مسيرة تعليمنا العالي، شبيهة بمبادرة تأسيس جامعة كاوست في وقتنا الراهن، تجاه إعداد كوادر وطنية يعتمد عليها في إدارة وتشغيل وقيادة صناعاتنا المحلية والسير بها لمواجهة تحديات المستقبل. وقد استطاعت جامعة البترول أن تفي ببعض من هذا الهدف، حيث تمكن عدد من خريجيها من شغر العديد من الوظائف القيادية في أرامكو وفي نشاطات صناعية أخرى. ولكنها ومنذ أيامها الأولى حينما ابتدأت ككلية للبترول والمعادن، اقتصر القبول فيها على الذكور من الطلبة، فلم يكن تعليم البنات آنذاك قد بلغ هذا الاتساع الذي بلغه الآن، وتساوي أعداد خريجات الثانوية مع أمثالهم من التلاميذ الذكور. كما أن النظرة المعادية لمنح المرأة فرصتها في نيل مختلف أنواع التعليم وقفت بالمرصاد أمام التحاقها بهذه الجامعة التي بقيت دون غيرها من الجامعات السعودية ذات التخصصات الشرعية مغلقة أبوابها في وجه الطالبة السعودية. ورغم أن مدير الجامعة الدكتور السلطان في إحدى مقابلاته الصحفية بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للجامعة قد أشار إلى أن هناك توجهاً لديهم نحو قبول الطالبات، إلا أنه لم يلزم نفسه بتاريخ محدد لهذا القبول، مما يعطي انطباعا وكأن هناك في قيادة الجامعة من يعارض مثل هذا التحول. من الصعب التصور ونحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة، أن تكون هناك جامعة تصبو نحو السؤدد ويقتصر طلابها وكادرها الأكاديمي والعاملون بها على جنس واحد، وأن كراسيها الدراسية محجوزة لجنس بعينه، كما ينظر إلى جنس من يقف محاضراً أمام هؤلاء الطلاب أو الطالبات قبل أن ينظر إلى مقدراته التعليمية وسمعته الأكاديمية، كأساس أو مقياس لتكليفه بهذه المهمة، وهو ما يضعف من الاستفادة الوطنية من أكاديميين أكفاء، فقط لأنهم لا يستطيعون إلا تدريس جنس واحد من الطلبة، فهذا النهج الذي هو من مخلفات الأمس، لم يعد معمولا به أو مقبولا لدى أغلبية جامعات العالم.إنها سُنَّة الحياة، أن يكون اليوم مغايرا عن الأمس، وأن المقاييس التي كان يرتكز عليها في الماضي قد لا تكون بذات القيمة في الغد الآتي، وهذا ينطبق على الفتاة السعودية التي أتاح لها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أن تلتحق بمختلف الجامعات وتقتحم مختلف التخصصات بما فيها الهندسية التي يُدرس بعضها في جامعة البترول والمعادن، ولكن برنامج الابتعاث كما هو عليه اليوم لن يستمر إلى الأبد، والبديل له يتطلب بذل الكثير من الجهود لجعل جامعاتنا ترفع من مكانتها العلمية وتعتمد نفس المقاييس المتبعة لدى كبرى الجامعات العالمية، ومن ضمنها إزالة كل أشكال التمييز بين الجنسين وجعل الفصول الدراسية واحدة، يجلس على كراسيها بناتنا وأبناؤنا سوية لينهلوا من نفس العلم ويكتسبوا نفس التأهيل، كما هم الآن فاعلون في خارج الوطن.