لم تعد تستفزني تلك الرسائل التي تتداول حتى الآن على المجموعات البريدية والفيسبوك والواتس أب عن موضوعات مثل امرأة مريضة أعيا مرضُها الأطباء، فحلمتْ بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أو فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، فاستيقظت من نومها وقد اختفى كل أثر للمرض، والقصة إلى هنا مقبولة من باب أن تدبير الله -عز وجل- وإرادته فوق كل حسابات البشر، غير أن المعضلة في الجزء الثاني من القصة؛ إذ تتحدث أن هذه الرسالة وصلت إلى بائع أعاد إرسالها فباع كل بضاعته، وإلى عامل فوجد كنزاً، وإلى ضابط فحصل على ترقية، ووصلت إلى طالب فتوقفت عنده ولم يعد إرسالها فرسب في الامتحان، وإلى موظف أهملها ففصل من عمله، إلى آخر هذه السلسلة، والمشكلة أنها ليست رسالة فردية، بل انتشرت في هذه الوسائط. وقبل نصف قرن انتشرت رسالة الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي، وإلى الآن لا نعلم من هو أحمد هذا، ولا صفة مشيخته، وكان الناس في ذلك الوقت يكتبونها بخط أيديهم ويوزعونها، ورد كبار العلماء آنذاك على هذه الرسالة، وتطور الأمر مع أجهزة الفوتوكوبي الورقية بالنيجاتيف ومكائن الاستنسل، فأعيد إرسال الرسالة مصورة ومنسوخة، وفي عصرنا الرقمي عادت الخرافة مرة أخرى بضغطة زر على إعادة التوجيه، وإلى ما لا حصر له من المستقبلين في ثوانٍ معدودة، كانت تستفزنا الأمور وقتها، ونحن نعلم أن نسبة الأمية عالية، والجهل منتشر، ولكن انتشارها الآن، مع انخفاض نسبة الأمية إلى أقل من %8 من مجموع السكان، وزيادة الوعي، يتطلب منا أن نكون أكثر واقعية وأقل مثالية؛ لأنها ثقافة مجتمع مر قطار التعليم السريع بمساراته المتعرجة، ولم يتوقف عندها، ونما المجتمع ثراء وفقراً، فازدادت الظاهرة اتساعاً من باب تعلق المترف بالغرائبية، وتعلق الفقير بقشّة الأمل، فأصبحنا نعيش فوبيا الحاسد والمحسود، والناظر والمنظور، والنافث والمنفوث عليه، وأصبح همنا أن نبدي إعجابنا بتحفظ، ونستعمل الماء والزيت المقروء عليهما دون اهتمام بالتلوث، ونقضي وقتاً في البحث في حقائب الشغالات وأعماق البحار عن طلاسم وأسحار وأعمال.