تعليقاً على مقالة الأستاذ خالد الأنشاصي «ثوار ليبيا وأخلاقيات الناتو» في العدد رقم (326) أقول: من المعلوم أن المنطق حين تكون هناك مقارنة بين الشيء ومقابله أن يكون الاثنان متشابهين في المعطيات وبالتالي بالإمكان قياس النتائج. في مقال الأستاذ الأنشاصي يقارن بين الثورة المصرية والثورة الليبية في نقطة تعامل الجيش المصري مع حادثة سيناء وبين تعامل «ثوار ليبيا» مع بني وليد. في الشأن المصري نتحدث عن جيش رسمي لم يتفكك حتى بعد الثورة، ووقف مع الشعب في ثورته، رجح جانب الثورة وضغط على الحكومة المصرية ما قبل الثورة وسلّم رموزها للمحاكمة وقام بحماية المؤسسات والمجتمع. أما في الشأن الليبي فلا يوجد جيش نظامي لا عتاداً ولا أفراداً، إنما هم ثوار شكلوا تنظيمات مسلحة لحماية مدنهم وقراهم من الطاغية معمر القذافي الذي لو تُرك يفعل ما يشاء لرأينا أشلاء أطفال ليبيا ونسائها كما نشاهد الدم السوري يهدر بغير توقف، ولكننا رأينا ملك ملوك إفريقيا يطبق سياسة الأرض المحروقة التي حشد لها من المرتزقة والسلاح ما يكفي لتحويل البلد إلى جحيم. لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة ثوار ليبيا الذين عاشوا في ظل نظام مستبد غيّر حتى التاريخ والمسمّيات وعبث بالذاكرة الشعبية لليبيا ولا يُعرف عن ليبيا على مدى كل تلك السنوات غير معمر القذافي الذي يحكم ويمثل شعبا عظيما كالشعب الليبي وبلدا غنيا يبدد ثرواته في مغامراته وثورياته المزعومة. ولا يمكن مقارنة الثوار الذين أجبروا على حمل السلاح وهم حديثو عهد به كما أنهم حديثو عهد بدولة المؤسسات التشريعية والقضائية بجمهورية مصر العربية التي تتوفر فيها مؤسسات الدولة والجيش النظامي الذي خاض عدة معارك ففطن لمهارات الحرب والسلم وبالتالي حين يتعامل الجيش المصري مع أي حركات متطرفة فسيتعامل معها بحكم أنهم «أبناء مصر» في المقام الأول و لو تُرك الأمر لوزارة الداخلية المصرية لكان التعامل مختلفا أيضا ولكان أكثر قسوة وشدة من تعامل الجيش المصري الذي يمثل الشعب المصري ببطولاته وانتصاراته وأعياده. الأمر الآخر الخاطئ هو مقارنة الحركات المتمردة المناصرة للقذافي ودوافعها لإجهاض الثورة في ليبيا وبين الحركات المصرية المتطرفة في سيناء ودوافعها الأيديولوجية التي تستغل الثورة في مصر لتنفيذ عمليات تخدم أطرافا هنا وهناك. وفي المجمل لا يمكن قياس التهميش والظلم والقتل والحبس ونهب المال العام الذي لقيه الشعب الليبي من معمر القذافي وآثاره النفسية التي انعكست على طريقة ردهم على مناصري القذافي، بما تعرض له الشعب المصري من تعد على الأموال والتعدي على الحريات السياسية، فنظام مبارك ورموزه لم يقوموا بمجزرة كما فعل نظام القذافي في السجون، ولم يهدد بإبادة الشعب وملاحقتهم فرداً فرداً وبيتا بيتا، وعلى العكس سمعنا مبارك يخاطب المصريين باحترام لتاريخ الشعب وكرامته، ولا يعني كل ما فعله ثوار ليبيا أنه صحيح وأن التعامل مع المخالفين كان صائبا بل إن الخطأ يلامس بعض التصرفات لكن ينبغي أن نتفهم مبررات هذه الممارسات ودوافعها التي تراكمت عبر السنين و من يده في النار ليس كمن يده في الماء البارد.