المكان: صالة المعيشة في المنزل، الملحق في الاستراحة، السيارة، شاشة عرض في «فوود كورت» أحد المراكز التجارية، غرفة النوم، صالة انتظار المواعيد في مستشفى، وحتى شاشة الجوال الصغيرة. الزمان: كل وقت، على مدار أربع وعشرين ساعة، وفي كل الفصول. المحتوى: كل ما يمكن استهلاكه، كل أنواع السلع، وكل ما يغذي في داخلنا حمى الشراء المستمر. المصدر: شركات الإنتاج. الوسيلة: شركات الدعاية والإعلان. كنت أقلب قنوات التليفزيون على غير هدى معين! أنتقل عبر «الريموت كنترول» بين قنوات البث الكثيرة، قنوات المسلسلات، قنوات الأخبار، قنوات الأغاني، قنوات الأطفال، القنوات الدعوية، وحتى قنوات الإعلانات. لم أقف عند أي من تلك القنوات الفضائية لأكثر من عشر دقائق، كانت تلك العشر دقائق كفيلة بأن تلفت انتباهي لتلك الظاهرة الدعائية الهائلة كماً ونوعاً أيضاً! بين النشرة والنشرة، أثناء بث البرامج، في خضم ملاحقة توم لجيري، في كل لحظة كانت هناك دعاية مبتكرة لمنتج استهلاكي جديد، هذا عدا القنوات المسخرة فقط للإعلان عن منتجات استهلاكية بعينها! الابتكار الفني والتقنية العالية لتلك الإعلانات التجارية أثار إعجابي! لم ألحظ من قبل بأن كل تلك الإعلانات التي تستهدف ترويض عقل المتفرج من مجرد متلق إلى مستهلك بالفطرة، فأصبح الأفراد على اختلاف أذواقهم، وفئاتهم العمرية، وحاجتهم للمنتج، وحتى مقدرتهم الشرائية مستهلكين لهذه السلعة أو تلك دون أي تفكير في دورهم الإنساني لرفض هذا النوع من الثقافة الاستهلاكية الباذخة. أحسست أن العالم من حولي كمن يركض فوق آلة سير دون هدف! يقف فوق تلك الآلة المسخَّرة لتجميع ما نحتاجه وما لا نحتاجه ما يرضي إدماننا التجاري حتى وإن كان يضرنا. الوضع الاقتصادي الراهن الذي يواجهه العالم اليوم هو ناقوس خطر لا يمكن إهماله، بل يجب علينا أن نقف وقفة نقد من أنفسنا ومن الأسلوب الاستهلاكي الصارخ الذي تعيشه أسرنا. تكلف صناعة الإعلانات واستثمارات الدعايات التجارية ملايين الدولارات كل عام ولكن الربح الذي يعود على تلك الشركات التجارية من خلال ذلك المستهلك البسيط يضاهي التكلفة بكثير! فماذا لو صرفت تلك الجهود وتلك الأموال الطائلة على برامج التعليم وتنمية المهارات لدى الشباب بدلا من تغذية حسهم الاستهلاكي يوما عن يوم.