في وطننا شباب إذا ما تم إعطاؤهم مساحة ووقتاً لإثبات وجودهم، فإنهم دون شك تجدهم مُبهِرين في حضورهم وبارعين في أعمالهم، فهم شباب طموح ذوو رؤية وهمّة عالية لا يستطيع أحد أن ينافسهم متى ما أتيحت الفرصة لهم. في الأيام الماضية قام بعض من شبابنا المبدعين بتصوير فيلم بعنوان «كَرْوَة» يروي معاناة الشباب في إيجاد فرص عمل له، وكيف أن العمالة الوافدة حلّت محل أبناء هذا الوطن في شتى المجالات الصناعية والإدارية وغيرها، ف «مجيد» بطل القصة يحكي قصة خروجه من قريته جنوب المملكة بحثاً عن الوظيفة مستعرضاً المشكلات التي واجهته وجعلته يفكر بالانتحار.فكرة الفيلم كانت جميلة جداً وهي بلاشك تعالج قضية طُرحت مرات عدة وهي تتعلق بمجال التوظيف والسعودة، ولكن نتيجة الطرح الجميل والإخراج الرائع لها جعل الفيلم محط إعجاب كثير من الشباب، وتناقلوه في مواقع التواصل الاجتماعي.ومما نلاحظه في الفترة الحالية أن هناك تميزاً في توظيف الدراما من خلال «اليوتيوب» في طرح القضايا المجتمعية وكيفية معالجتها بشكل هادف وبنّاء، وبعيداً عن الإسفاف والتشهير أوالتهريج، وكذلك بعيداً عن الربحية التي تقتل الأعمال الإبداعية دائماً، والتي نراها في كثير من الأفلام والمسلسلات في هذه الأيام. لقد أصبح «لليوتيوب» دور كبير في الإعلام الجديد والتأثير في المجتمع من خلال إيجاد دراما هادفة وصادقة تلتمس النقد البنّاء برؤية إيجابية بعيدة عن التكلف والتصنع؛ ومما ميز الفيلم أن الممثلين هم من فئة الشباب الذين فعلاً هم من لديهم إحساس ومعاناة بما يواجهونه من مشكلات، ولذلك تجدهم أجادوا تقمص الأدوار بشكل رائع، بحيث إن الفكرة تصل إلى من هم في سنهم ويشاهدونها، ومن ثَمّ يحكمون على الفكرة برؤيتهم وبإحساسهم بالمشكلة نفسها. ومما لا شك فيه أن الشباب السعودي بدأ يزاحم الكبار في القنوات الفضائية في تنفيذ مثل تلك الأعمال الدرامية وبشكل مميز رغم عدم وجود الحوافز والأموال الطائلة المتوفرة في الفضائيات الأخرى، وقد استطاعوا أن يبدعوا في كثير من الأفلام والأفكار الجيدة التي لاقت استحسان وإعجاب أغلبية الشباب، مثل: فيلم عمار بوقس، ومونوبولي الذي سجل إعجاب الملايين بتلك الأعمال. إن موضوع الوظائف وتوفير فرص عمل للسعوديين ومنافسة الأجانب لهم يعد من أبرز الهموم التي تؤرق الشباب وتؤثر في بقية أفراد المجتمع إذ إن الشباب هم النسبة الأكبر في المجتمع وهم يعانون من هذه القضايا التي تؤثر في مستقبلهم وتأسيس حياتهم الجديدة فهي سلسلة من العقبات طالما تحدث عنها الإعلام دون فائدة، فجاء هذا العمل لينقل صوت الشباب ويعبر عن همومهم، فالعمل بأكمله يقوده شباب سعوديون حاولوا جاهدين إيصال فكرتهم بطريقة جيدة وجاذبة، لأنه لا يمكن أن يتولى قضاياهم وهمومهم ومناقشتها من هم أكبر سناً منهم أو بعيدون عن اهتماماتهم. ويجب ألا تشغلنا قضايا أخرى مثل التشكيك في وطنية هؤلاء الشباب أو النقد الدرامي لطريقة معالجة مشكلة البطالة التي استعرضها بعض المختصين أثناء الفيلم والتي تعد استكمالاً لقضايا سلسلة وطنية قد يطرحها الشباب، حيث تحدثوا سابقاً عن قضية السكن، والآن الوظائف ويترقب كثيرون عملهم القادم في تناول ومعالجة قضية أخرى. وإن كان ثمة ملاحظة على الفيلم فإن مدته كانت طويلة جداً؛ حيث امتد إلى قرابة النصف ساعة وهذا الوقت من وجهة نظري طويل جداً، ولو تم تقليص وقت الفيلم إلى خمس عشرة دقيقة لكان أفضل للعمل؛ لأننا نريد إيصال الفكرة بسرعة وبطريقة موجزة للمتلقي، ولكن هذه الإطالة لا تنقص من الجهد الذي بُذل والعمل المتقن الذي قدمه أولئك الشباب، فالأفلام القصيرة تنجح من خلال تكثيف القصة؛ مما يؤدي إلى وصولها إلى شرائح أكبر، بالإضافة إلى أن «اليوتيوب» ينشر ثقافة الإيجاز كما هي سمة الإعلام الجديد فتجد أبرز مقاطع الفيديو من 10 إلى 15 دقيقة. ختاماً شبابنا دائماً مبدع ومنتج ومتقن لعمله ويستطيع أن ينافس غيره إذا ما وجد الفرصة متاحة أمامه دون مضايقة من أحد، وسبق أن أشرت في مقالة سابقة إلى تميز مخرج الفيلم بدر الحمود وطاقمه؛ وذلك عند الحديث عن فيلم «عمار بوقس» الذي كان له تأثير كبير على أغلب فئات المجتمع بسبب نجاح عمار بوقس في حياته، فشبابنا بحاجة إلى ثقة الناس، وإبعاد من يضايقهم في مجالات العمل المتنوعة ليكونوا فاعلين بحق وليخدموا دينهم ووطنهم فهم الأمل المنشود وبناة المستقبل.