استرضاء اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية كان، ويبدو أنه سيظل طويلاً، الورقة الرابحة في انتخابات الرئاسة الأمريكية، ويبدو ذلك منطقياً في ظل السطوة الاقتصادية والإعلامية التي يتمتع بها اللوبي اليهودي. صحيح أن اليهود يشكلون – بحسب مارك وبر (Mark Weber) مدير معهد مراجعة التاريخ، في دراسة عن قوة اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة، قام بترجمتها الكاتب والمترجم المصري محمد عبداللطيف حجازي – 3% فقط من تعداد السكان بالولاياتالمتحدة، إلاّ أنهم يشكلون أيضاً 11% ممن تطلق عليهم هذه الدراسة تسمية الصفوة، كما يشكلون ما يزيد عن 25% من الصفوة بالصحافة والنشر، وأكثر من 17% من رؤساء المنظمات التطوعية والعامة الهامة وأكثر من 15% من المناصب الرسمية الهامة. وليس ذلك فحسب، بل أشار اثنان من الكتاب اليهود المعروفين هما سيمور ليبست وإيرل راب بكتابهما «اليهود والحال الأمريكي الجديد» المنشور عام 1995 إلى سطوة اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة حيث يقولان – بحسب الدراسة: «شكل اليهود خلال العقود الثلاثة الماضية 50% من أفضل 200 مثقف بالولاياتالمتحدة 20% من أساتذة الجامعات الرئيسية، و40% من الشركاء بالمكاتب القانونية الكبرى بنيويورك وواشنطن، و59% من الكتاب والمنتجين للخمسين فيلما سينمائيا التي حققت أكبر إيراد ما بين عامي 1965 – 1982 وأيضا 58% من المديرين والكتاب والمنتجين لاثنين أو أكثر من المسلسلات بوقت الذروة التلفازي». هذه السيطرة للوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة على أهم مفاصل الحياة، تفسر بوضوح أسباب لجوء الرئيس أوباما في حملته الانتخابية الحالية لاسترضاء إسرائيل، حيث قال أمام المؤتمر الوطني الديمقراطي في شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية إن «أمن إسرائيل لا يجب أن يتزعزع.. ولا السعي وراء السلام أيضاً»، بل أضاف إلى برنامجه الانتخابي عبارة «القدس عاصمة لإسرائيل»، على الرغم من أن القدس حسب قرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية أرض محتلة! فقرار تقسيم فلسطين رقم (181) الصادر من هيئة الأممالمتحدة بتاريخ 29/ 11/ 1947 أعطى 53% من المساحة الإجمالية لفلسطين للدولة اليهودية، وهذه المساحة لا تشمل مدينة القدس التي تقع بموجب القرار في وسط الدولة الفلسطينية، وشجب قرار مجلس الأمن رقم (252)، (21 مايو 1968) الذي امتنعت الولاياتالمتحدة وكندا عن التصويت عليه» عدم التزام إسرائيل بقرارات الجمعية العامّة (المتعلقة بالإجراءات والأعمال التي تقوم بها إسرائيل وتهدف للتأثير على وضع مدينة القدس)، واعتبر القرار أن كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال التي تتّخذها إسرائيل، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات، التي تميل إلى تغيير الوضع القانوني للقدس باطلة ولا يمكن أن تُغيّر ذلك الوضع؛ ودعا القرار إسرائيل على نحو عاجل إلى إلغاء كل الإجراءات التي اتّخذت، والامتناع عن القيام بأي عمل آخر يميل إلى تغيير وضع القدس»، وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (267)، (3 يوليو 1969) الذي تم تبنيه بالإجماع، أعاد التأكيد على قراره رقم (252)؛ وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (298)، (25 سبتمبر 1971)، أكّد أن كافة الأعمال التشريعية والإدارية التي نفّذتها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكّان والتشريعات التي تهدف إلى دمج الأقسام المحتلة هي باطلة كلياً ولا يمكن أن تُغيّر ذلك الوضع». وكذلك القرار (476)، (30 يونية 1980) -امتنعت الولاياتالمتحدة عن التصويت عليه- أعاد التأكيد على الضرورة الملحّة لإنهاء الاحتلال الطويل للأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس. وأبدى قرار مجلس الأمن رقم (478)، (20 أغسطس 1980)، -امتنعت الولاياتالمتحدة عن التصويت- «قلقه البالغ من سن (القانون الأساسي) في الكنيست الإسرائيلي الذي يُعلن عن إحداث تغيير في صفة ووضع مدينة القدس المقدّسة، مع دلالات ذلك على السلام والأمن…». وغير ذلك من القرارات الدولية التي لا تعطي أي حق لليهود في القدس. ولا أدري كيف تتفق هذه القرارات الدولية مع تصريحات أوباما، وكيف نصدق أن أمريكا التي تضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط هي نفسها راعية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟! والحقيقة أن أوباما ليس وحده من قال بأن القدس عاصمة إسرائيل، بل صرح بذلك أيضاً المرشح الجمهوري ميت رومني، وكل ذلك في إطار السعي الحثيث لكسب تأييد اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في السادس من نوفمبر المقبل. إذا كان هذا هو الواقع فإن السؤال الذي يطرحه البعض: وأين دور اللوبي العربي في تقويم السياسة الأمريكية، في ظل وجود لوبي علمي مصري يضم مئات العلماء في مجالات الطب والهندسة والفضاء، بالإضافة إلى اللوبي الخليجي الذي يضم العديد من رجال الأعمال، واللوبي الفلسطيني والسوري واللبناني الذي يضم الكثير من الكتاب والفنانين؟، أقول إن هذه اللوبيات ما هي إلاّ صورة مصغرة من عالمنا العربي؛ إذ لكل منها سياسته الخاصة، ولا هدف أسمى يجمعها، ومن ثم فإن تأثيرها لا يوازي زوبعة في فنجان، أو هي والعدم سواء! وطالما ظلت دولنا العربية على حالها من التفرق والتشرذم والشتات، ستظل هذه اللوبيات أيضاً مجرد كيانات صغيرة لا تقوى على شيء. العيب -إذا- ليس في السياسة الأمريكية التي تصب دائماً في صالح الكيان الصهيوني، ولكن العيب فينا نحن الذين لم نعرف كيف يكون لصوتنا قيمة، بتوحيد إرادتنا خلف أهداف مشتركة تحفظ للأمة العربية والإسلامية مكانها ومكانتها، وتعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها، وبدلاً من أن «يغرد» بعضنا مستهزئاً من قدرة بعضنا الآخر على تحرير فلسطين قائلاً: «أيها الإخوانجية ننتظركم لتحرير فلسطين أيها المنقذون للأمة» في إشارة إلى من بيدهم الحكم في مصر الآن، علينا أن نغرد باتجاه توحيد صفوف الأمة وإكبار بعضنا البعض، حتى يذكرنا التاريخ بشيء من الاحترام! نحن لا نلوم الرئيس أوباما ولا المرشح المنافس له ميت رومني حينما يستميلان اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة على حساب الحق العربي، ولكن اللوم الحقيقي يقع علينا نحن العرب عندما نشاهد ونسمع ثم نصمت صمت القبور، وكأننا فقدنا كل قدرة حتى على مجرد إبداء الرأي وتصحيح المفاهيم وتحديد المواقف!