تعددت في الأسابيع الأخيرة أحداث عنف متفرقة في تونس أبطالها متشددون دينيون، أصبحوا يعرفون بالعناصر السلفية. حدث ذلك خلال شهر رمضان وبعد أيام العيد. نقول البعض مرة أخرى لنتجنب التعميم، وحتى لا نضع الجميع في كيس واحد. ويمكن القول إن الأحداث التي توالت خلال هذا الشهر العظيم، قد حددت بشكل أوضح خارطة من يرى فيهم السلفيون خصوماً، وأحيانا أعداء لهم في هذه المرحلة. – قامت إحدى هذه المجموعات بمنع عرض مسرحية، يؤديها الممثل لطفي العبدلي بمفرده، وذلك بحجة أنها تتضمن استهزاء بالدين. وهذا المنع هو استمرار لعمليات استهداف الفنانين والمثقفين الذين يعدهم عموم السلفيين «مهددين للإسلام وأخلاقه» وفق مقاييسهم وتقديراتهم. وذلك بالرغم من أن هؤلاء الفنانين أكدوا في مناسبات عديدة أنهم مؤمنون مثل بقية التونسيين، ومن يريد أن يحاسبهم فعليه أن يقيم أعمالهم الفنية لا أن يشق على قلوبهم التي لا يعرف ما بها إلا خالقهم فقط. – الاعتداء الذي تعرض له الأستاذ عبدالفتاح مورو، والذي كاد أن تكون نتيجته كارثية، لولا ألطاف الله. والخلاف مع مورو هو خلاف في الحقيقة مع الخطاب الإسلامي المتسامح، والمتمسك بالخصوصية التونسية. كما أن الاعتداء على مورو كان مؤشرا على أن العنف قابل لكي يستشري وينتقل إلى داخل دائرة الإسلاميين أنفسهم ولا يستثنيهم، لأن خطاب التكفير والإقصاء توسعي بطبعه، يبدأ بمن يتهمون بالكفر، ليرتد على الأقربين، ويشمل في النهاية دعاة التكفير أنفسهم. – الهجوم المسلح على مهرجان القدس بمدينة بنزرت، وقبلها تعطيل سهرة الإنشاد الروحي بالقيروان بقيادة الفنان المبدع لطفي بوشناق، حادثتان كشفتا عن عدو ثالث للسلفيين يتمثل في الشيعة الذين يصفونهم بالروافض في محاولة فقهية قديمة لإخراجهم من دائرة الإسلام، وذلك استنادا على فتاوى سابقة صدرت في ظروف تاريخية مغايرة. وهذه معركة أخرى مرشحة لكي تبقى مفتوحة، وقد تحتد خلال المرحلة القادمة. معركة يصر السلفيون وبعض غلاة الشيعة على إعادة إحيائها بعد أن هدأت في تونس منذ قرون على إثر انهيار الدولة الفاطمية، وقيام بعض الأطراف السياسية والدينية باستئصال أتباع المذهب الشيعي من البلاد عن طريق التصفية الجسدية الجماعية. كما أن المعركة ضد حزب الله وإيران في هذا الظرف ليست أولوية عند التونسيين، بقدر ما هي عبارة عن حرب بالوكالة يريد البعض أن تخاض على الأرض التونسية. ما هي الرسائل التي أراد هؤلاء أن يبلغوها من خلال هذه الأحداث؟ أولاً: يريد أصحاب التوجه الراديكالي داخل الظاهرة السلفية الذين يتحركون تحت مظلة «أنصار الشريعة» أن يوضحوا للجميع بأنهم غير مستعدين لتغيير قناعاتهم أو تعديل أسلوبهم في العمل. هذا يعني أن تحركاتهم الميدانية مرشحة للتصعيد خلال الفترة المقبلة، التي يفترض أن تشهد نقاشاً وطنياً حول الصياغة النهائية لمشروع الدستور. فهم إلى جانب حلفائهم من أنصار حزب التحرير لن يعترفوا بهذا الدستور، وسيكثفون حملاتهم الميدانية ضده وضد المدافعين عنه. ثانياً: أرادوا أيضا أن يقولوا بأن محاولات اختراقهم واحتوائهم لم تنجح، وذلك من خلال الاعتراف بالتحريريين من جهة، ومنع التأشيرة القانونية لأحزاب سلفية صغيرة لم تؤثر حتى الآن على الساحة السلفية من جهة أخرى. وبذلك يمكن القول بأن رهان حركة النهضة والحكومة على التقليل من شأن التحدي السلفي لم ينجح، وذلك من خلال محاولات الاحتواء. وقد جاءهم الرد واضحا على لسان أبو عياض الذي يتزعم التيار الجهادي في خطبة العيد عندما أعاد الهجوم على وزير الداخلية، وحرض قواعد النهضة على قادتها عساهم أن يثوبوا إلى رشدهم؟ رسالتهم الثالثة التي أرادوا تبليغها للجميع أنهم «رقم صعب»، وأنهم ينمون بسرعة، وأنهم قادرون على فرض أجندتهم. وإلا كيف نفسر ما قاموا به يوم العيد، عندما فرضوا غلق عديد من المساجد بحجة نقل الصلاة إلى ساحات عامة، كان بعضها ملوثا أو غير مهيأ لاحتضان المئات والآلاف من المصلين. صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في عيدي الفطر والأضحى، ولكن شتان بين السياقين، إلى جانب أن ما تم فيه استعراض للقوة، ولم يخل من حسابات سياسية. لقد كان من أغراضه التأكيد على أن إدارة الشأن الديني لم يعد خاصا بالدولة وحدها، وأن هؤلاء على الأقل قد أصبحوا شركاء فعليين في ذلك. نؤيد إلى حد ما قول السيد علي العريض وزير الداخلية بأن هذه الجماعات لاتزال تشكل أقلية، ولكنها في المقابل أقلية قادرة على التأثير وإرباك الدولة وإشاعة الخوف والحيرة في صفوف المواطنين، بل وكذلك التأثير على حركة النهضة ذاتها. كما نتفق معه عندما عد أن هذه الظاهرة لا تعالج فقط بالأساليب الأمنية، فنحن لسنا مع سياسات الرئيس السابق الاستئصالية، لكن ذلك يقتضي أمرين: من جهة، العمل على تأسيس حوار وطني حول كيفية إدارة الشأن الديني في البلاد، ومن جهة أخرى تفعيل دولة القانون لحماية المواطنين والنخب، قبل أن نستيقظ في صباح يوم من الأيام على أخبار لا نتمناها لتونس وثورتها. إن ما يجري يؤكد أن هناك فعلا من يتآمر على الثورات العربية، وفي مقدمتها الثورة التونسية.