يتباين تعامل المبدعين السعوديين مع التابوهات الثلاثة(الجنس والدين والسياسة)، حيث يضع بعض منهم خطوطاً حمراء لا يتجاوزونها، ويحاول آخرون اختراق هذه الحواجز بطرق ملتوية، بينما يفضل آخرون عدم التفكير في هذا الجانب والكتابة بحرية. ويرى بعض الكتاب أن الحديث عن المحرمات الثلاثة أمر كان في فترة ما وانتهى. ويقول الشاعر أحمد فقيهي، «أنا من الذين يرون أنه لم يعد هناك محرم في الكتابة على المستوى الديني والسياسي، وأنه لابد من الذهاب عميقا في طرح الأفكار والقضايا». ويتابع، «وفي كتاباتي، بعامة، أنا أقرب إلى المعالجة والقراءة السياسية والدينية للأحداث والظواهر برؤية ثقافية، لإيماني المطلق أن مأزق العرب الحضاري والتاريخي يتعلق بغياب الدولة المدنية الحديثة بالمعنى الحقيقي لمفهوم الدولة على مستوى المؤسسات ودور الفرد في المجتمع، وإيماني بأهمية قراءة النص الديني على ضوء المناهج الحديثة، أي قراءة المقدس الديني، وبالتالي قراءة الماضي». زوال الرقيب لدى كتابتهم، يحاور مبدعون أنفسهم، ويسألون ترى، «هل سيمر مقص الرقيب على ما أكتبه؟!»، إلا أن فقيهي يرى أن هذا الأمر لن يطول، إذ يقول، «أنا من الذين يؤمنون أن السلطة الرقابية مآلها إلى الزوال، ولن يكون لها موقع، أو مكان، في مستقبل هذا العالم الذي أصبحت فيه سلطة الكلمة، وسلطة الصورة، وسرعة الحدث، أقوى من كل سلطة». ويوضح، «هناك حالة انحسار للذهنية التقليدية الاجتماعية التي تملك ثقافة الممانعة في المجتمع بشكل عام، في ظل ثورة المعرفة وسقوط أيديولوجيات، وصعود أيديولوجيات، بل إن هناك أيديولوجيات يعاد إنتاجها من جديد، مثل الأيديولوجية الأصولية، وفق لحظة العصر التي نعيشها». ويشير فقيهي إلى أنه، «بالرغم من تقدم وسائل الإعلام، ووسائط الاتصال، إلا أن الرقيب في بلادنا مازال يفكر بعقلية قديمة، وهذا ما نراه جليا في معارض الكتب المقامة سنويا». الهروب إلى الرمزية ويحاول كتاب اختيار ألفاظ تمرر أفكارهم ورسائلهم للقراء، وتجنيب ما يكتبونه مقص الرقيب. ويرى نائب رئيس نادي حائل الأدبي، القاص رشيد الصقري أن «وجود الرمزية هو هروب من الرقيب الذي لا يستطيع فك شفرة النص، كما أن رقيب اليوم غير رقيب الأمس، فرقيب اليوم يمتاز بالوعي الثقافي وسعة الاطلاع، وبالتالي لم يكن أداة لحجب المعلومة بالطريقة الخاطئة». ويقول، «نتيجة وعي المجتمع، متأثرا بالعولمة، وثورة الاتصالات، ففي الوقت الحاضر لا توجد حواجز للمعلومة في أي مكان». وعن الرقابة الذاتية لديه، يقول الصقري، «تأصلت لدي قيم ومبادئ إنسانية وفق ضمير حي لا أستطيع تجاوزها، لأنني أستخدم العقل لا العاطفة». ويوضح فقيهي أن حال الرقيب في هذا الجانب يكون «بين ارتباك الرقابة، ودهاء الكاتب والمفكر»، مؤكدا أنه «ينبغي اختراق هذا التابو، وأنا من الذين يحاولون اختراق هذه الرقابة، ومحاولة تقديم ثقافتي أنا ككاتب، ورؤيتي وما أؤمن به على مستوى العقيدة الفكرية وتكريسها». جرأة الكتاب واستطاع عدد من الكتاب السعوديين أن يتفوقوا على نظرائهم في الجرأة والمباشرة في حديثهم عن المحرمات، دون الوقوع تحت مقص الرقيب. ويعدد الصقري بعضا من أولئك ففي الأدب هناك غازي القصيبي، وعبده خال، ورجاء الصانع، وفي الفكر تركي الحمد، وإبراهيم البليهي، وعمر الفوزان، وفي الصحافة محمد الرطيان، وعبدالعزيز السويد، وخلف الحربي. الخوف والوعي وفيما يتعلق بقوة الحياة وتقدمها، وحتمية توسيع مدارك الرقيب والمجتمع معا، يوضح فقيهي، «هناك حالة خوف أصبحت لدى الرقيب ربما أكثر من ذي قبل، خاصة فيما يتعلق بالسياسي والديني، نظرا للاحتدام ما بين دول مركزية في المنطقة على لعب أدوار مؤثرة، والبحث عن مواقع، واحتداد الصراع الديني اليوم». فيما يقول الصقري، «أوافق أن وعي المجتمع، والرقيب، كفيلان بتغيير القانون، والعرف بشأن الممنوعات التي عفا عليها الزمن، وفق أنظمة وقوانين جديدة تتناسب مع المتغيرات وفق الحداثة». الدين والسياسة أما عن نصيب الديني إلى السياسي في التشدد الرقابي، فيقول فقيهي: «لا يوجد فصل عندي بين ما هو ديني، وما هو سياسي». وهناك تشابك وتداخل ما بين الدين والسياسة، بل إن هناك اليوم صعوداً للسلطة السياسية، من خلال الدين، مثلما يحدث حاليا في مصر وتونس. لكن ما يتعلق بالجسدي فمكانه الكتابة الإبداعية بكل مستوياتها المختلفة، خاصة في السيرة الذاتية والرواية. فيما يرى الصقري أن «من معوقات الثقافة هي الوصاية الدينية، أو السياسية، أو المجتمعية»، لافتا إلى أن التشدد بدأ يخف بالوعي الثقافي للمجتمع، «وللوزير (وزير الثقافة والإعلام) دور في تفعيل عمل المؤسسات الثقافية من أجل وعي المجتمع». رشيد الصقري