هل يعيش الكتاب السياسي أزمة؟ وما ملامحها؟ وهل ترتبط بالجو العام للقراءة، أم أن تداعيات المشهد السياسي في الوطن العربي تلقي بظلالها الثقيلة على سوق الكتاب وصناعته؟ من ناحية أخرى، للكتاب السياسي متاعبه كما هي للمقال السياسي. وتقود هذه المتاعب لطرح تساؤلات أخرى حاضرة غائبة هل يستحق الكتاب السياسي ما يبذل من أجله في وقتنا الحاضر من تحمل تبعات ونفقات التأليف والتحليل العلمي والقراءات المتكررة للأحداث السياسية؟ لماذا يراهن البعض من المشتغلين في النشر على فشل الكتاب السياسي؟ فالقراء وتحديداً الأدباء والمثقفين لا يولونه العناية والاهتمام اللازمين. وما حقيقة أن الرواية السعودية الآن، بمعالجتها للمواضيع الحساسة والجريئة، سحبت البساط من الكتاب السياسي، وأفقدته بريقه؟ في الواقع ان ما تمثله «السياسة» من تابو في الوطن العربي يجعل الكتاب يدخل ضمن النطاق الشائك، الذي ينبغي على من يؤثر السلامة الابتعاد عنه. وأخيراً هل أزمته من نوع خاص، أم هي أزمة الكتاب بشكل عام؟ يرى الأستاذ المساعد في الاجتماع السياسي في جامعة الملك سعود الدكتور خالد الدخيل، أن الكتاب السياسي والحدث السياسي يحتلان أهمية واضحة بين الناس، بدليل انتشار محطات فضائية متخصصة في بث الأخبار والأحداث السياسية، وتتناولها بالبحث والتحليل عبر متخصصين في قراءتها. وأيضاً انتشرت مواقع انترنت ومواقع حوارية تتناول الأحداث السياسية. ويجد الدخيل أن الكتاب السياسي في السعودية، «ليس له رواج ظاهر كغيره من المجتمعات، فهناك فجوة واضحة، ومفارقات متعددة في هذا الأمر، ولكن السعوديين في النهاية لا يحصلون على الكتب السياسية من الداخل، وإنما يبادرون باقتنائها من الخارج، فمازالت الرقابة على الكتاب غير مناسبة لمواكبة العصر، فالاتصال والمعلوماتية أصبحا سريعي الوصول للقارئ من خلال الانترنت، لذا لم تعد للرقابة الإعلامية أهمية تذكر». ويضيف: «للسياسة دهاليزها وقنواتها الخفية، اذ أصبحت معظم الإصدارات والتخصصات الأدبية، كالرواية والشعر أحد أهم المنابر للتعبير أحياناً عن مواقف سياسية، وأخرى اجتماعية أو أن تكون راصداًَ لمرحلة جوهرية من تاريخ الأمة السياسي، لدرجة أن الكثير من النقاد أصبحوا يرون أن الرواية السياسية، تعتبر من أهم وسائل التوثيق الحقيقي، وقد ظهرت العديد من الروايات العربية، التي تحولت أيضاً إلى أفلام سينمائية تدور أحداثها عن مرحلة ما من التاريخ السياسي للدول، ونجحت الدراما كثيراً في إيصال المرحلة التاريخية التي تمثلها إلى أذهان الأجيال الجديدة عبر الشاشة الصغيرة أو السينما». ويشير الدخيل إلى أن الثورة الروائية في السعودية، «تتيح للكاتب مجال التعبير عن قضايا سياسية واجتماعية، من خلال شخوص الرواية، وكأنما يمارس نوعاً من اشكال التحايل على الرقيب، للتعبير عن مواقفه بشكل غير مباشر، وفي الوقت نفسه يجعل المسؤولية ليست شخصية، فهي شكل من أشكال الهروب والتحايل على الواقع، من أجل التعبير العلني عن مواقف سياسية وفكرية». ويوضح الكاتب السياسي أن الرواية السياسية، «مهمة لأنها تسمح لمؤلفها بأن يقول ما لا يجزم بحدوثه، أو ما يخاف من قوله مباشرة من دون أن يقع في دائرة اللوم أو العقوبة، أو قول ما يثبت خطأه وعدم صحته، وهذا يعني أنها تعطي مساحة أكبر لرصد وتحليل الأحداث السياسية، غير أنها لون من ألوان الكتابة السياسية ولا تغني عن الكتابة التنظيرية وسائر أبواب التصنيف في هذا الحقل». ويجد الغنامي أن من يقتني الكتاب السياسي قليل جداً، «إذا ما قارناه بالكتب الأخرى الفلسفية أو الأدبية كالروايات والشعر، فقراء السياسة يعتبرون شريحة صغيرة من المشتغلين بالسياسة وتعاطي السياسة كما هو واضح أمر منفر، وهذا ما ينعكس على حجم مبيعات الكتب السياسية». ويؤكد الكاتب «حمد الباهلي على أن الكتاب السياسي، «لم يفقد قيمته عن السابق وإنما تراجع نظراً إلى عدم وجود مؤسسات سياسية، أو حتى مؤسسات مجتمع مدني حقيقية. فالكتاب السياسي المميز لا يمكن أن يحل محل كتاب آخر، وإنما ما يحدث هو استجابة البيئة الثقافية السائدة لرغبات تنسجم وهذه الثقافة. ومن ناحية أخرى فالقارئ للكتاب السياسي هو السياسي بالدرجة الأولى ثم الأكاديمي ويليهم المثقف، أما طلبة العلوم السياسية فقراءتهم للكتاب السياسي فقط كمقرر جامعي لا غير». ويعزو الدكتور عبدالرحمن الحبيب مسألة القراءة أو عدمها للكتاب السياسي، إلى الكتاب نفسه، «إذا كان مثيراً فهو مقروء وهذا أيضاً يجعلنا نتساءل على ما نقصد بالإثارة: الشعبوية أم الرصينة؟ التي تُطارد من الأنظمة العربية أم الأكاديمية، الهادئة أم الرسمية ؟». ويشير «الحبيب» إلى أن من يقرأ الكتاب السياسي بالدرجة الأولى هو المثقف النخبوي أولاً وآخر من يقرأ هو المسؤول السياسي العربي»،لافتا إلى أن «الكتاب السياسي فقد بريقه. فالبؤس السياسي الحاصل في عالمنا العربي، من الفكر السياسي الحديث، وجه الأنظار إلى الكتاب الديني المسيس، أما ما يطلق على الرواية السياسية ومعها الروايات الفضائحية، فصحيح أنها تحتل الآن موقع الصدارة ولكنه موقع مختل ولذا فهو موقت. لأن السياسي يؤخذ من السياسي وليس من الفني أو الأدبي، والرواج الحاصل في الرواية التقريرية هو تنفيس لعقود من الكبت والمحرمات في الثالوث المحرم، وحالما ينتهي هذا التنفيس ستتراجع الرواية التقريرية وتتقدم الرواية الإبداعية، وقد يتقدم الكتاب السياسي الرصين».