إنَّ الراصدَ الميدانيَّ لواقع التعليم في بلادنا المتابع لعمليَّاته ومخرجاته سيجده محتاجاً لعمليَّات تطوير شاملة، ذلك الراصد القارئ لما يكتب في صحافتنا وفي الدراسات وأوراق العمل العلميَّة، وفي التقارير الإشرافيَّة، وفي توصيات اللقاءات التربويَّة ومقترحاتها، والمشارك في حوارات المجتمع عن التعليم سيخرج بحشد هائل من المعوِّقات والصعوبات. وسيصل الواقعُ بتعدُّد محاوره وجوانبه وبكثافة معوِّقاته وصعوباته وباتِّساع توصياته ومقترحاته المتابعَ ذا الهمِّ التربويِّ والوطنيِّ ،إلى حكم متشائم يقضي باستحالة التطوير لتشابك ذلك ولاصطدامه بواقع الكفايات العلميَّة والمهارات والقدرات المهنيَّة للمعلِّمين ولمديري المدارس، والتشخيصيَّة والتدريبيَّة والقياديَّة للمشرفين التربويِّين ولمسؤولي التربية والتعليم.في عتمة واقعنا التعليمي جاء مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم رؤية وطنيَّة جادة في مسيرة التغيير والتطوير لبلادنا بكافَّة جوانبها التنمويَّة، إلاَّ أنَّ مرور نصف فترة المشروع دون أن يحقِّق من أهدافه شيئاً عزَّز حالة التشاؤم السابقة له، لينبلج النور ظهوراً وليتَّسع الضوء بؤرة فيمتدَّ إشعاعاً بخطوة فاعلة بتطوير المناهج الدراسيَّة، حقَّقت عمليَّاتها الأخيرة ما يوصف بأنَّه نقلة نوعيَّة تستحقُّ الرضا وتستدعي التفاؤل، وأنَّها بمواصلة ذلك تطويراً أثناء التطبيقات الميدانيَّة وتقويمها ستحقِّق ما هو أكثر وأكبر، لكنَّها اصطدمت بواقع المعلِّمين في إعدادهم الأكاديميِّ وقدراتهم ومهاراتهم المهنيَّة فتعثَّرت التطبيقات لاتِّساع الفجوة بين أولئك وبين أهداف المناهج؛ لتعود حالة التشاؤم شعوراً فظهوراً واتِّساعا. غير أنَّ خطوة تالية في مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم في محوره الثاني، تطوير أداء المعلِّم والمسندة للمركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي تستعيد التفاؤل في نفوس التربويِّين الحاملين الهمَّ التربويَّ المتطلِّعين ميدانيّاً لمخرجات تتناسب وطموحات الوطن وتطلُّعاته بعد أن أخفقت جهودهم الميدانيَّة وتطلُّعاتهم المستقبليَّة في عقود ماضية، فكاتب هذه المقالة كتب قبلها مئات المقالات وعشرات التقارير الإشرافيَّة والدراسات والأبحاث العلميَّة تناولت التعليم في واقعه ومخرجاته، في مناهجه الدراسيَّة وأداء منسوبيه، في مشكلاته ومعوقاته فكانت للإحباط وللتشاؤم أقرب، إلاَّ أنَّ مشاركته ضمن 120 مشاركاً معظمهم من الأكاديميِّين وقلَّة من التربويِّين الممارسين في ملتقى المعايير المهنيَّة للمعلِّمين – منطلقات وطنيَّة وتجارب عالميَّة في المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي بين 5-7 / 11/ 1432ه للتعريف بالمعايير وأطرها النظريَّة وصياغتها وآليَّة إعدادها ونقدها؛ تمهيداً للمشاركة بكتابة المعايير المهنيَّة التفصيليَّة لكافة التخصُّصات، في ضوء رؤيةٍ تبلورت ب: الريادة والتميُّز في بناء نظام داعم لرفع مستوى تأهيل المعلِّمين والمعلِّمات بما يحقِّق جودة النظام التعليمي، ورسالةٍ حدِّدت ب: الإسهام في تجويد النظام التربويِّ من خلال انتقاء المعلِّمين والمعلِّمات الجدد باستخدام أدوات تقويم على مستوى عالٍ من الموضوعيَّة والمصداقيَّة، تستند إلى معايير مهنيَّة مبنيَّة على أحدث التوجُّهات العالميَّة؛ وذلك لتحقيق أهداف تطوير أداء المعلِّم من خلال: الوصول إلى إطار عام لمعايير التدريس بالمملكة، وبناء معايير تفصيليَّة للمعلِّمين حسب التخصُّص والمرحلة التعليميَّة؛ لاختيار الأكفأ من المتقدِّمين للتدريس، ولتحديد الاحتياجات التدريبيَّة للمعلِّمين، ومن ثمَّ للإسهام في تطوير برامج إعداد المعلِّمين على مستوى الجامعات السعوديَّة، وتوفير مؤشِّرات دقيقة عن مخرجات برامج إعداد المعلِّمين. حالة تفاؤل خرجتُ بها من هذا الملتقى بعد ثلاثة عقود من الرصد الميداني ولَّدت حالة التشاؤم ووسَّعتها، وعمَّقت مستوى الإحباط سنة تلو أخرى، تفاؤل انعكس أملاً وتطلُّعاً على مقالتي هذه، ففي هذا الملتقى مشروعٌ لتطوير أداء المعلِّم اتَّصف بجديَّة ما اعتادها الميدان التعليميُّ وبرؤية مضيئة ورسالة واضحة وأهداف محدَّدة، بعيداً عمَّا عرفها فيما سبق من مشروعات تطويريَّة يتبنَّاها مسؤولون في وزارة التربية والتعليم جرَّاء اطِّلاعاتهم الخاطفة على جزئيَّات من تجارب عالميَّة ناجحة، سرعان ما توقف تلك المشروعات أو تجمَّد لاصطدامها بكفاءة إدارات التعليم كإدارات وسطى بين مخطِّطي الوزارة والمنفِّذين في المدارس، أو لانتقال متبنِّيها من مواقعهم أو إعفائهم؛ كجزء من ثقافة إداريَّة سائدة تدفع المسؤول الجديد لمسح جهود سابقيه، فنتائج هذا الملتقى وتوصياته ستكون بعيدة عن مسارات وزارة التربية والتعليم وسيطلب منها التنفيذ فقط من جهة أعلى مسؤوليَّة في التخطيط والتنظيم، وستتولى الجهة الأعلى متابعة التطبيق الميداني وتقويمه وتطويره بتغذية راجعة بعيداً عن تنافسات مسؤولي وزارة التربية والتعليم، وسيتلو ذلك مشروع رتب المعلِّمين لتضعهم بين مؤثِّرين يدفعانهم إلى تشخيص أدائهم ذاتياً وإفادتهم من تشخيصاته إشرافيّاً وإلى التدريب التربويِّ الوزاري أو في معاهد تدريب خاصَّة، وذلك بين خوف المعلِّم من استبعاده من التعليم وحفزه لترقِّيه في رتب المعلِّمين، رتب ستؤثِّر في ترشيحات القيادات التربويَّة المدرسيَّة والإداريَّة والوزاريَّة بعيداً عن المؤثِّرات السابقة الخاضعة لاعتبارات شخصيَّة في ضوء مصالح خاصَّة، كما ستنهي حالة تقاذف المسؤوليَّة عن ضعف أداء المعلِّمين بين جامعاتنا المعدَّة لهم وبين وزارة التربية والتعليم المشرفة على أدائهم، بل إنَّ مخرجات هذا المشروع ومؤشِّراته ستدفع الجامعات لتجويد معايير القبول لطلاَّبها فبرامجها، ومن ثمَّ ستنتهي الحالة القائمة من حيث اتِّجاه من لم يجدوا مقاعد جامعيّة أخرى إلى الالتحاق بكليَّات التربية وكليَّات إعداد المعلِّمين، وستنتهي ترشيحات معلِّمي الضرورة من خريجي كليَّات غير تربويَّة. مؤشِّرات إيجابيَّة ستظهر متتابعة ستنقل تعليمنا نقلة نوعيَّة وستدعم المتحقِّق بتطوير مناهجه الدراسيَّة، وستكون مدخلاً لتطوير البيئة الصفيَّة فالنشاط المدرسيِّ باعتبارهما المحورين الثالث والرابع للمشروع، أملي أن يواصل مشروع تطوير أداء المعلِّمين تحت مظلَّة المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي مساراته وألاَّ يتعثَّر بمعوِّقات سيتعلَّل بها العاجزون في إدارات التعليم وفي الوزارة عن إدارة مرحلة التغيير والتطوير، المقاومون لهما مدفوعين بمصالحهم المحرَّكة بفساد إداريِّ ومالي، تفاؤل وأمل.