تقرير “ستيوارت رامسي” _ كبير مراسلي قناة سكاي نيوز من حمص_ كما جاء على لسانه: لم أذق طعم الأمان قط خلال الأيام الأربعة التي قضيتها في هذه المدينة ذات 850 ألف نسمة.نيران القناصة والقتال الضاري بين القوات الحكومية والمنشقين من أعضاء الجيش السوري الحر لا ينقطعان.كل ما هو حولنا دليل دائم على أننا في منطقة حرب، بنايات مهدمة، رجال يحملون السلاح، نقاط تفتيش، جرحى و صوت البكاء الدائم.. إنها مأساة. حتى الأطباء مهددون بالقتل فجأة، يقطع صفير كابح سيارة خارج منزلنا ضجيج قتال كان أكثر كثافة عن غيره.انتقلنا سريعاً في السيارة إلى مستشفى ميداني حيث يحاول فريق من الجراحين إنقاذ عين رجل في متوسط العمر كان آخر ضحية من ضحايا القناصة. خلعوا الضمادة، فإذا بربع رأسه مفقود وعينه ظاهرة بالكامل.بجواره كانت فتاة صغيرة تتلقى العلاج، هي الأخرى لم يكن عمرها يتخطى العشر سنوات، صراخها فرض الصمت على غرفة مليئة برجال تعودوا رؤية الآثار الرهيبة للقتال. طُلب مننا مغادرة المكان بأسرع ما يمكن، فمستشفى الميدان معروف للجيش السوري ومرافقينا مرعوبين من احتمال إلقاء القبض علينا.الأطباء مهددون بالقتل رمياً بالرصاص لمعالجتهم الجرحى ولا يمكنهم العمل في مستشفياتهم حيث يقوم الجيش الحكومي بإعدام الضحايا بطريقة روتينية. تذكروا أن هؤلاء مدنيون أصيبوا عنوة في المعارك و ليسوا مقاتلين. على ناصية شارع، امرأة تحاول أن تعلو بصوتها فوق أصوات الرصاص. تسألني: أين المساعدة التي تأتي من السماء؟.”امنحونا منطقة حظر جوي”، وفي حمص تسمع هذا المطلب مرارا، إنهم يريدون ما مُنح لليبيا ولا يفهمون لماذا هم مختلفون عن الليبيون. يوماً بعد يوم يدفنون الموتى. في إحدى ضواحي حمص، لقي خمسة عشر شخصاً حتفهم في هجوم واحد فقط للقوات الحكومية. الآلاف حضروا جنازة ستة من الضحايا كتكريم للموتى وتحد للحكومة.مثابرتهم مذهلة.أصبحت كل جنازة تصريح سياسي و كل جسد يواري الثرى سبباً للنضال. الشبيحة.. أداة النظام الأقبح إن أقبح ما في هذا النزاع هو استخدام بشار الأسد مليشيات مسلحة تقوم بالقتل لحسابه، هؤلاء أصبحوا يعرفون بالشبيحة.يحاول الشبيحة المسلحون التسلل إلى المدن حيث تقوى شوكة المعارضة ويطلقون النار دون سابق إنذار فالترويع هو شعارهم.إنها أداة نظام يتشبث بالسلطة عن طريق إشاعة الخوف ومن خلال سطوة جيشه. حمص مثل العديد من المدن السورية هي ساحة حرب.المباني مهدمة ونقاط التفتيش العسكرية في كل مكان، وهناك 260 نقطة تفتيش تحاصر حمص، 42 في دائرة بابا عمرو، قلب هذه الثورة المتأجج، حيث مكثنا طوال زيارتنا. ما بدأ كثورة سلمية تحول إلى حرب أهلية، فالجيش السوري الحر، المكون من جنود منشقين، منوط بمهمة واحدة هي حماية المدنيين من السكان.إنهم في غاية التنظيم لكن ينقصهم السلاح. يصرون علي أن في حوزتهم أسلحة أكثر ثقلاً ولكنهم يخشون مقاتلات النظام ومروحياته إلي الحد الذي يجعلهم يخبئونها.لكني لم أر معهم أي سلاح أقوى من قذائف ال”أر بي جي” والبنادق الآلية.بشار الأسد يقول إنهم متطرفون، لكني أيضا لم أر شيئا يؤكد ذلك. وصل منشق إلى نقطة تفتيش للجيش السوري الحر كانت تحرس أحد التجمعات الليلية المناهضة للحكومة، والتي تقام يومياً.سألته عن سبب هروبه من الجيش، رفع كتفيه وقال إن السبب هو أنه طلب منه إطلاق النار علي أفراد عزل. لم يكن متطرفاً، هو فقط لم يكن في إمكانه الانصياع لأوامر بقتل أبرياءً. التحصن بجدران البنايات التجمعات حدث استثنائي في حد ذاته، لقد اجتمعوا طيلة 244 يوما متتالية متحدين الحكومة.التجمعات تقام الآن في شوارع جانبية فالميدان الرئيسي في حمص حيث كانوا يتجمعون أصبح في غاية الخطورة. يجتمعون بالآلاف، متحصنين بجدران البنايات وبوجود الجيش السوري الحر في الشوارع. في خطبة الجمعة يستمعون إلى إمامهم يقول لهم أنهم وحدهم وأن عليهم أن يقاتلوا وحدهم.يرغبون بشدة أن يساعدهم العالم و لكنهم يدركون يوماً بعد يوم أن المجتمع الدولي يفتقر إلي إرادة مساعدتهم مباشرة.أحد قادتهم أسر إلي: “لو كنا نعلم أن الحال سيكون هكذا.. لوكنا نعلم أنه لن يساعدنا أحد، لما كنا بدأنا أبداً”. وأضاف: “لكننا بدأنا والآن ليس لدينا خيارً أخراً غير أن نستمر”. في الشوارع يغنون ويرقصون على الشعارات المناهضة للحكومة. هناك “شيء ما” في مظهرهم.أخذت بعض الوقت حتى أتبين ما هو، هو في الواقع شيء بسيط ولقد رأيته في عيون الناس في مصر وتونس وليبيا.من المهم أن يكونوا مستعدين للموت لأن استمرار الحال على ما هو عليه لم يعد أمراً مقبولا. إنهم في حمص يستعدون للموت.. انتهى. الثورة السورية | حمص | سكاي نيوز