تعمل أم محمد ذات ال75 عاما في صناعة منتجات الخوص منذ 60 عاما، ولكنها تفقد الأمل في أن تتعلم إحدى بناتها هذه المهنة التي لا تحتاج إلى كثير من الأدوات، فكل ما يتطلبه الأمر، مجرد خوص من سعف النخيل، وأصابع ماهرة تتمكن من صفه ولفه في ذات الوقت. وترجع صانعة الخوص أم محمد عزوف الشابات في الوقت الحالي عن ممارسة هذا العمل كهواية- على الأقل- إلى انشغالهن بشؤون حياتهن كزوجات، أو بسبب الدراسة و العمل، الأمر الذي لا يتيح لهن مجالاً لقضاء وقت ممتع مع هواية لم تعد مربحة مادياً كالسابق. مهنة موروثة وتتنهد أم محمد، ثم تقول »قضيت عمري و أفنيت شبابي في صناعة الخوصيات، التي ورثتها عن أمي، التي كانت» تسف» الخوص يومياً كل صباح، في فناء بيتنا القديم، وكنت أناولها ما تحتاج إليه من حاجيات، ثم تعلمت منها المهنة قبل ستة عقود، واستمررت في مزاولة المهنة بعد وفاتها حتى أوفر لقمة عيش كريمة أحياناً، بينما أقضي على الفراغ أحيانا أخرى، فأصنع سفر الطعام، والمراحل، وقطع الحصير، وغيرها، في حين القضاء على الفراغ مرة أخرى. حرفة المناطق الزراعية وتؤكد أم محمد أن هذه الحرفة كانت منتشرة في كل قرى الأحساء ومدنها، إلا أنها كانت أكثر رواجا بين النساء في المناطق الزراعية، بحكم مجاورتهن للنخيل التي تحيط بقراهن بشكل كامل، وكل ما يحتجن إليه شراء أو إحضار الخوص من المزارع حين يكون أخضر اللون، ثم تجرى عليه بعض العمليات حتى يكون صالحًا للاستخدام بما يتناسب مع مهنة صناعة الخوص. وبعدها تزاول النساء السف وهن جالسات في»أحواش» البيوت، بعد حلب البقر، وعلف الدجاج والأغنام، عقب صلاة الفجر وحتى فترة ما قبل الظهر، ويعاودن الكرة في فترة العصر، وخلالها يستعددن لبيع منتجاتهن في سوقي الأربعاء والخميس، ويخرجن برزق يكفيهن لمدة أسبوع كامل، فقد كان هذا العمل يشكل مصدر رزق لكثير من السيدات. بيع »المراحل» وكان الفلاحون وتجار التمور يعتمدون في تخزين محاصيلهم على ما تنتجه صانعات الخوص اللاتي تخضبت أيديهن لسنوات من وخز الشوك وآلامه، فيضعون التمور و البامية و البانجان و اللوبيا و الحشائش، ومن ثم يبيعونها في الأسواق الشعبية وغيرها. وكنا نبيع» المرحلة» الواحدة التي تحمل ما يقرب من 240 كيلو جراما من التمر، مقابل 50ريالاً تقريباً، وكان هذا المبلغ يعد آنذاك ذا قيمة كبيرة.