يقرأها: عبدالمحسن يوسف يرسمها: معتصم هارون في الوقت الذي كرَّسَ فيه عدد كبير من نقادنا المعروفين وقتهم وحبرهم للتنظير، وكيل المدائح لأسماء معينة، ووضع الكثير من أهل الإبداع على رف التهميش والغبار والنسيان، تابع الدكتور محمد صالح الشنطي الجميع، وكتب عن الجميع، وسبق نقادنا الأجلاء في اكتشاف الأصوات المبدعة، وإلقاء الضوء عليها، وألف كتباً تتناول إبداعنا ومبدعينا وساحة الإبداع في بلادنا بمنتهى الصدق والبذل والإخلاص. لم يهمل أحداً. ولم «يطبل» لأسماء بعينها على حساب اللآخرين. ولم يكن منحازاً لمبدع بعينه كما فعل الكثير من نقادنا المصابين بمرض «التمييز» نقادنا الذين يرفعون مبدعاً ويحطون من قيمةِ وقامةِ سواه! كان الشنطي – الناقد الفلسطيني الذائع الصيت الذي أقام بيننا زمناً طويلاً – مخلصاً لأدبنا وفاعلاً أكثر من نقادنا الذين اكتفى عدد كبير منهم بالتنظير وبخدمة مشاريعهم النقدية الخاصة فقط! لقد عكف الشنطي طويلاً مشتغلاً على «النصوص».. كان يطاردها من ملحق ثقافي إلى ملحق ثقافي آخر، ومن صفحة إلى صفحة أخرى. وكانت إضاءاته النقدية تنقسم إلى قسمين: متابعات سريعة، ودراسات متأنية، ولم يكن حبره الجليل يغفل أحداً أو يقوم بتهميش أحد. ففي الوقت الذي خدم الكثير من النقاد لدينا أنفسهم وحبرهم بالدرجة الأولى، وأعلوا من شأن «نظرياتهم» النقدية التي كانت تسبح في فلك آخر بعيداً عن «نصوص» أهل الإبداع كرس الشنطي حبره للاشتغال على تلك النصوص. وكان بمثابة النحلة اليقظة في نشاطه وجده ومتابعاته التي لا ينكرها إلا جاحد. عرفته عن كثب، متفانياً في عمله النقدي. حاضراً على منابر الأندية. مرتحلاً من مدينة إلى مدينة. ومن قرية إلى قرية. كما كان حاضراً بوضوح في الفضاءات المتاحة للملاحق الثقافية. يعمل بدأب عجيب من دون كلل أو ملل أو غطرسة. إنَّ الشنطي لم يكن «تاجر شنطة» على الإطلاق، ومن قام بتصنيفه هكذا، فقد جانبَ الحق و الحقيقة و الصواب. وعلى المستوى الشخصي أعتبر هذا التصنيف إساءة فادحة بحق ناقد يستحق منا التبجيل والتكريم والحفاوة. لقد أنفق ضوء عينيه في خدمة أدبنا سنوات عديدة، في التعريف بالأقلام المبدعة، وتشجيع الأقلام الواعدة، وكتابة الدراسات العميقة، وإلقاء الضوء على أدب كان يتعامل معه الآخرون باستعلاء كبير!