تذمَّر صديق مخلص لجحا من كثرة مبالغاته فنصحه بالاعتدال فقال وماذا أفعل؟ قال حين أكون في مجلسك وتبالغ فلسوف أتنحنح أو أعطس أو أسعل فتعرف أنك بالغت فتلزم حدك وتخفف من غلوائك! قال نعم الصديق والناصح أنت. ثم إن المجلس جمع القوم ذات يوم فانطلق جحا على سجيته وقد نسي موعظة صديقه فقال: يا قوم باركوا لي فيما فعلت. قالوا خيراً قال بنيت مسجداً! قالوا نِعمَ ما فعلت، ولكم مصلٍّ يتسع؟ قال لقد جعلت طوله عشرين كيلومتراً! هنا لم يتمالك الصديق نفسه من السعال حتى كاد أن يختنق! قال جحا محاولاً تدارك الموقف بعد أن سألوه عن عرض المسجد؟ فقال: أما عرضه فمتر واحد. صعق القوم وهتفوا عرضه متر! قال نعم جعلته ضيقاً ضيَّق الله على من ضيَّق عليَّ! قد نضحك من القصة والمبالغات ولكن يحدث المثير والكثير من الأمور التي نراها عادية جداً وهي مبالغات مرعبة ومؤذية. مازلت أذكر أنني اشتغلت في مكان وفيه مسجد رائع يبعد خمسين متراً عن السكن، ولكن المتشدّدين أبوا إلا أن يزيدوا الخير خيراً بزعمهم فقالوا: لابد من مسجد آخر بين السكن. وكان المكان مخصصاً للعب الأطفال والتنزه والشواء وما شابه. وكما يقال “أمر دبر بليل” فقد روعوا من يسكن قريباً بأخذ التواقيع أنهم في صدد بناء بيت من بيوت الله ويريدون موافقة الجيران على نحو ديمقراطي كذا؟ ولم يكن أمام من يقدمون لهم العريضة أن يقولوا لا في وجه بناء بيت من بيوت الله. فجأة وضعت المكبرات الأربعة بقوة 140 “ديسبل” بجنب غرفة نومي؛ فإذا جاء الأذان كان مثل نفخ الصور يكاد الأموات أن يقوموا من قبورهم، والويل لمن قال لهم خففوا الصوت يا قوم فهناك المسن والمريض والطفل والمرضعة. إنها هنا المبالغة التي تبكي ولا تضحك أليس كذلك؟ في سوريا حالياً يقول الأسد إن سوريا تتعرّض لمؤامرة كونية يشترك فيها عناصر حمراء من المريخ، وحمير من دوما وخان شيخون، ولذا فهم يقتلون الحمير وعناصر المريخ الحمراء من العصابات المسلحة. إن اللغة كلها درس كبير من المبالغات اسأل أي واحد واقنص كلماته فلسوف ترى أنها بعيدة عن الموضوعية مسافة سنة ضوئية! كيف الأسعار؟ الجواب: كل شيء غال. والحقيقة هناك الغالي والرخيص. إن ظاهرة عشق التفاصيل هي من مزايا العقل العلمي ولكننا مركبون على المبالغات والتهويلات والتهويمات وهي ميزة الثقافة العامية غير العلمية. ومنه نهى الربّ عن الجلوس مع الخائضين ووصف الربّ الآخرة أنه ليس فيها لغو وثرثرة وتأثيم( إلا قيلاً سلاماً سلاماً).