موضوع قرأته أخيرًا ذكرني بقصة جُحا وحمار السلطان. فقد ضاق بجحا الحال، وقل المال، وكثرت الأحمال، وجاع الأطفال وملَّ جحا من السؤال؛ ففكر ثم فكر ووعي ودبر ثم ذهب إلى قصر السلطان، وقال: يا مولاي هل لي أن أعلم حمارك الكلام فقال: آمني تضحك أيها الأحمق حاشا وكلا؛ بها صرح جحا إذًا؛ ما خطبك؟ سأل السلطان! قال: عشر سنين هو كل ما أريد، والكثير الكثير من المال وسأعلم حمارك الكلام! أجاب السلطان: اعطوه ما يريد واكثروا له؛ فإن لم يفعل فاقطع رأسه بلا جدال. وهكذا كان، وخرج جحا بالحمار وأي حمار! فبعد الضيق تيسر له الحال ولم يعد مهمومًا شارد البال فاستغرب قومه وسألوه: أحقًا ستعلم الحمار الكلام؟ قال: بالطبع لا! قالوا: فما خطبك؟ أجاب: بعد عشر سنوات، إما أكون قد متُ أو مات السلطان أو مات الحمار. ***** قصة جحا تذكرتها بعد أن قرأت عن توجه مدينة مونتريال الكندية حاليًا لمطالبة الحكومة بتعميم قانون يحتم تعليم الكلاب اللغتين الرسميتيٌن للدولة، وهما الإنجليزية والفرنسية، وذلك بعد أن قدم أحد البرامج المذاعة على القنوات المحلية هناك فيلما وثائقيا قصيرا عن مدى معاناة كل من الكلاب وأصحابها في التعامل بلغتين، الأمر الذي يُفقد الكلاب جزءًا كبيرًا من ذكائها في التعامل وتنفيذ أوامر تأتيها كل مرة بلغة مختلفة عن سابقتها! وأرجع البرنامج سر نباح الكلاب بشكل مستمر وفوضوي طوال الوقت في مونتريال كنوع من أنواع الاعتراض على حجم معاناتهم في فهم ذويهم. ***** وفي الوقت الذي تعتبر بعض وسائل الإعلام الموضوع بأكمله مجرد مزحة، يأخذ بعض المواطنين الأمر على محمل الجدية الشديدة، غير مكتفين بتعليم كلابهم فحسب بل يصل الأمر إلى حد مطالبة الحكومة بإصدار قانون حيال هذا الشأن، وإذا كان جُحا قد وجد فسحة من الوقت ليهرب من التزامه بتعليم الحمار الكلام، فإن مطالبة المواطن الكندي، إذا ما أقرها البرلمان الكندي، لا يمكن الهروب منها، وهذا هو الفرق بين وعود الساسة العرب لشعوبهم، التي تذهب في الهواء بعد انتخابهم، ووعود الساسة الغربيين الذين يحاسبهم الناخبون على وعودهم الانتخابية، إذ ربما يكون هذا آخر عهدهم بالناخبين!. ¶ نافذة صغيرة: (الحمار، لم يعد يصلح لعصر الإنسان الآلي والكمبيوتر، لذلك وانسجامًا مع روح العصر، فقد تمت إحالته الى التقاعد، واستعيض عنه بمفاهيم عامة عصرية لا تقبل القياس مثل: الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية......). سعيد لحدو. [email protected]