أطلق الأسد المحاصر برجال الثورة الغاضبين تصريحات نارية: إنّ من يتجرأ فيدخل سوريا عسكرياً سوف يدفع الأسد إلى أعمال لن يتحمّلها كل العالم، هذه التصريحات تعني الانفكاك عن الواقع. كثير من الزعماء المخبولين جاءتهم لحظات الشعور بالفناء فقرروا أخذ العالم معهم إلى رحلة العالم السفلي. في العهد القديم قصة شمشون ودليلة هي من هذا الصنف. يروى عن هتلر شيء من الهذيان في أيامه الأخيرة. ظهر هذا واضحاً في فيلم السقوط (Downfall) وهو بالألمانية الهبوط أو السقوط (Der Untergang). حيث وقع هتلر تحت خيالات من جيوش وهمية سوف تنقذ الرايخ الثالث. “فوكس موفي" كانت قاصدة من عرض هذا الفيلم قبل أيام -وهو فيلم جدير بالرؤية- الأسد السفاح يدخل نفس هذا المدخل من تصور أمور كثيرة غير موجودة، وبلغ به الأمر من الهذيان وفقدان الصلة بالواقع أن يتخيل أنه سيهز العالم. أذكر أيضا شبيها من هذا صدام العراقي وخيالاته في لحظات نهايته الأخيرة في سكرات الموت. قصة تهديدات الأسد حركت في ذهني قصة تروى عن جحا أنه فقد يوما (خُرْج) الحمار وهو الكيس الذي يوضع على ظهر الحمار. وقف جحا في السوق وصرخ بأعلى عقيرته أنه سيفعل كذا وكذا إذا لم يحضروا له (خرج) الحمار. سمع الناس زعيق جحا فأخذوا الموضوع على محمل الجد إنه سينفذ أمرا لم يسمع به أحد من قبل كما هي في تهديدات الأسد الصغير. بحث القوم حتى حصلوا على خرج جحا فأتوا بالكيس يحملونه إلى جحا مع الاعتذار. وقف أحد القوم وقال ناشدتك بالله لقد أفزعتنا يا ترى ماذا كنت فاعلا لو لم ننجح في ترجيع الكيس إليك؟ التفت إليهم بكل جدية وقال كان عندي (خرج) قديم فكنت سأضعه محل الضائع! وكذلك هي حالة طبيب العيون الأعشى الذي فقد حس التوازن وإدراك حقائق الأمور، وأن البلد يتغير، والثوار يزحفون يطلبون رأسه بعد أن قتل منهم أربعين ألفاً وشرد الملايين ودمر أكثر من مليوني منزل. هناك مثل يقول “الله يرحم النباش الأول". الأسد الأب دمر مدينة، أما الصغير فقد دمر كل سوريا.