أن تكون حراً فهذا ممكن لكن أن تجعل من الآخرين أحراراً هنا تكمن المسألة، في مطلع السبعينيات الميلادية كان ثمة رجل يعمل في مصنع للبيرة بالكتلة الجغرافية الجامدة التي تدعى تشيكوسلوفاكيا، كان كل ما يحيط بالرجل عالما كاذبا مشبعا بشعارات الدولة الشمولية، ولأنه كان ذات مرة كاتبا مسرحيا فقد حاول أن ينقل تصوره للناس على المسرح ولكن الدبابة الحمراء لم تعطه الفرصة. بدخول القوات السوفييتية لمدينة براغ صيف العام 1968 تم إسكات صوت الحكومة التي كانت تسعى إلى إلغاء الرقابة أولاً وجعل الشيوعية أكثر إنسانية ثانياً، أخمدت الدبابة «ربيع براغ» وصدر قرار صغير جداً بمنع صاحبنا المسرحي من الكتابة كما مُنع غيره حتى جاء عام 1977 حين عاد إلى الواجهة من جديد مع مجموعة من الكتاب والمناضلين في ما يسمى ب «ميثاق 77» منتقداً بشكل نادر الحزب الشيوعي الحاكم، وفي نهاية العام نفسه نشر مقاله الشهير والطويل (قوة من لا سلطة لهم) وفيه يروي وبطريقة إبداعية كيف يسيطر النظام على السلطة والعكس. في أواخر عام 1989 كانت كل الطرق تؤدي إلى التالي: شيء ما يجب أن يحدث، بدأت الثورة الناعمة بلا دماء وبلا أوجاع وكأنها النسخة الأولى من الربيع العربي، تتابعت الأحداث فتشكلت أول حكومة حقيقية غير شمولية أو كاذبة ووصل صاحبنا المسرحي فاتسلاف هافيل للسلطة رئيساً للبلاد. رحلة الرجل أو تشيكوسلوفاكيا كلها خلال سنوات القمع السوفييتي يمكن اختصارها في الآتي: حقي في أن أكون حراً كشخص وبالتالي كوطن.