الأصل في المجتمعات التعددية، بمعنى أن المجتمع يتكوَّن من فئات وأطياف وقبائل وشعوب وتيارات متعددة، وحتى تعيش هذه المكونات في أمان فإن الدولة بسلطاتها وسيادتها مسؤولة عن توفير مناخ يكفل لها التعايش بسلام وحرية، ويحمي حقوقها، ويمنعها من التعدي على حقوق غيرها. ما يحدث في أمريكا مثال على امتحان مسؤولية الدولة وسلطاتها في حماية التعايش، فعند اقتراف السلطة التنفيذية خطأً تجاه أحد مكونات المجتمع، وهو هنا المسلمون، بحظر دخول رعايا بعض دولهم، قامت السلطة القضائية بوقفه، وبعيداً عن تجاذب السلطات، كانت هناك وقفة أيضاً من بقية مكونات المجتمع لحماية تعدديته بالمظاهرات والاحتجاجات ضد هذا القرار. ولنفترض مثلاً في قصة متخيَّلة أن فئة في مجتمع تكره شرب عصير البرتقال، ووجدت مبرراً لذلك، إما عبر تأويل نص غير صريح في دينها، أو أن تقاليدها وعاداتها تراه عيباً، يجب هنا من باب الحرية وتقبل القناعات احترام رأيهم ورغبتهم، ولا يعني ذلك بالضرورة منع الحوار معهم. فإذا ما طلبت هذه الفئة من أصحاب المطاعم عدم تقديم عصير البرتقال لهم، فإن رغبتهم تستحق التجاوب والتلبية. لكن ماذا لو طلبت هذه الفئة منع عصير البرتقال ووقف استيراده، ومعاقبة كل مَنْ يشربه؟! هنا يكون اللوم على الدولة إذا استخدمت سلطاتها لتلبية طلب فئة على حساب فئات أخرى دون وجود إجماع مجتمعي موثوق يؤيد هذه التلبية.