في قرار صائب استبدلت وزارة الصحة مُسمى «العيادات النفسية الأولية» المُلحقة بمراكز الرعاية الصحية الأساسية بمُسمى جديد وهو «العيادات الإرشادية الشاملة»؛ لعديد من الاعتبارات، ولعل من أهمها كسر هاجس وصمة العار «Stigma» تجاه المرض النفسي؛ نتيجة مفاهيم مغلوطة تتعلق بسببية المرض وطرق التعاطي معه من الناحية العلاجية، والتعامل مع المريض النفسي في بعده الاجتماعي «Social Distance». يعتقد كثير من الأشخاص أن المرض النفسي يعود لمُسببات روحية فقط «كالمس والسحر والعين والحسد»، ورغم أن مثل ذلك قد يحدث، ولكن لا يشمل السواد الأعظم من الأمراض النفسية، فكثير منها يعود لأسباب عضوية ونفسية واجتماعية. يصاحب ذلك من يظن أن المرض النفسي غير قابل للشفاء والعلاج، وأن العلاج الدوائي في مجمله ليس إلا أدوية مهدئة تقود للإدمان والتعود، وأن العلاج النفسي «Psychotherapy» ليس إلا مجرد سواليف «دردشة»، ولو أنني أُحمِّل «مُختصي الصحة النفسية» السبب في هذه النظرة القاصرة نتيجة الإفراط في صرف الأدوية من قبل الأطباء النفسيين، ونقص تأهيل المُختصين النفسيين في العلاج النفسي الذي أصبح مهنة من لا مهنة له. أسهم الجميع في رفض وعدم تقبل المريض النفسي وإلحاق وصمة العار به وبأسرته، وبالتالي لا يُحبذ التعامل معه ولا الزواج منه ولا توظيفه ولا بطرح الثقة به، وهنا اُستحكمت حلقات وصمة العار. مثل هذا يجعل من يُعاني «أزمة نفسية» لا يسعى لطلب المشورة من المختصين في المجال النفسي، وهذا يُفاقم المشكلة يوماً بعد آخر لتصبح مرضاً نفسياً حدياً ومزمناً، وهنا يحدث الهدر البشري للطاقات، وتصبح الحياة لا تُطاق لمن يعاني المرض، ليُشكل عبئاً أسرياً ومُجتمعياً. من هنا كان قرار الوزارة في محله «ويُشكرون عليه» بهدف الإقلال من وصمة العار المُلحقة بالمرض النفسي ولجذب من يعانيه، «وما أكثر من يعاني ويكتوي بنار المعاناة النفسية»؛ للسعي للعلاج مبكرا، ولكن قرار الوزارة لا يكفى إن كانت الرعاية النفسية تنصب على «التشخيص السريع» وصرف الدواء فقط، أو كان الهدف مُجرد تخفيف الضغط على المستشفيات النفسية، فستصبح الخدمة «نمطية» لمزيد من النبذ الاجتماعي. ما نود أن نراه يا وزارتنا المحبوبة هو إعداد كادر مُؤهل من المُختصيين النفسيين والأطباء، وأن يكون الإرشاد والعلاج النفسي ما يُميز الخدمة؛ كونها إرشادية شاملة وليس الأمر مُجرد تغيير مُسميات. للحديث بقية.