تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بحماية العلامات التجارية، إدراكًا منها لأهمية هذه العلامات في تشجيع الاستثمار ودعم الابتكار وتعزيز ثقة المستهلكين بالمنتجات والخدمات، وفي سبيل ذلك اتخذت المملكة خطوات جادة لتطوير منظومة قانونية وتنظيمية متكاملة تضمن حماية فعالة للعلامات التجارية. فقد أولت المملكة -حرسها الله- جهودًا كبيرة منذ وقتٍ مبكر في حماية العلامات التجارية، حيث انضمت في عام 1982م إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو" (WIPO) التي أُنشئت عام 1970م، المعنية بالسياسات العامة وسبل التعاون وتبادل المعلومات في مجال الملكية الفكرية، والتي تعتبر إحدى الوكالات المتخصصة التابعة لمنظمة الأممالمتحدة منذ عام 1974م، وتتخذ من جنيف مقرًا لها وتضم في عضويتها 193 دولة. كما أصدرت المملكة أول نظام لتسجيل العلامات التجارية بالمصطلح المستخدم آنذاك "العلامات الفارقة" بموجب الأمر السامي رقم (8762) عام 1358ه، ثم مع تطور وازدهار الحركة التجارية في المملكة، صدر نظام العلامات التجارية (الفارقة) بالمرسوم الملكي رقم (م/5) عام 1404ه، حيث بدأ وقتها استخدام مصطلح "العلامات التجارية" بدلاً من "العلامات الفارقة"، ثم تلاه النظام الجديد للعلامات التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/21) عام 1423ه. وفي عام 1438ه أُنشئت الهيئة السعودية للملكية الفكرية SAIP بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (410)، ثم صدر في العام التالي قرار الموافقة على تنظيمها من مجلس الوزراء برقم (496)، لتنتقل إليها صلاحية إنفاذ حقوق العلامات التجارية من وزارة التجارة، وبذلك أصبحت الهيئة الجهة المختصة في المملكة المعنية بشؤون الملكية الفكرية، بما في ذلك إنفاذ الحقوق وتسجيلها وحمايتها، ومنح وثائق الحماية، وتقديم خدمات الملكية الفكرية والقيام بمهام تسجيل براءات الاختراع، والنماذج الصناعية، والتصميمات التخطيطية للدارسات المتكاملة (الدوائر الإلكترونية)، والأصناف النباتية، وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة (وهي الحقوق التي تُمنح لبعض الاشخاص او الهيئات مثل فناني الأداء والمنتجين وجهات البث)، كما تضطلع الهيئة أيضاً بدور توعوي هام تجاه المستهلكين وأصحاب الأعمال بشأن التثقيف بأهمية حماية العلامات التجارية. وقد كانت علامة "كبريت الشعلة" أول علامة تجارية تُسجّل في المملكة عام 1365ه، في حين كانت "شاهي أبو جبل" عاشر علامة تُسجّل وذلك في عام 1371ه. وفي حال وقوع انتهاك لحقوق العلامة التجارية، يحق لمالك العلامة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، التي تشمل غرامات مالية وسحب المنتجات المخالفة من الأسواق، والمطالبة بالتعويض عن الأضرار، وتمتد حماية العلامة التجارية لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد. واستمرارًا لهذا النهج التنظيمي، ومع التقدم التقني المصاحب للثورة الصناعية الرابعة، من المتوقع أن يُعتمد مستقبلًا على تقنية "الرموز غير القابلة للاستبدال" NFTs (Non Fungible Tokens) لحماية حقوق ملكية العلامات التجارية رقمياً. وتأكيدًا لهذا التوجّه التشريعي والتقني، تتطلع المملكة لأن تكون نموذجًا رائدًا عالميًا في حماية الملكية الفكرية، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، ويُعزّز من مكانتها كمركز تجاري إقليمي وعالمي، انسجامًا مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والابتكار.